يطلق المصريون لقب «الإمام الأكبر» على شيخ الأزهر، وبمجرد صدور القرار الجمهوري بتعيين «الشيخ» في موقعه يبدأ الجدل حول مكانة الرجل الذي يأتي بالتعيين، وغير مسموح بعزله، وكثيراً ما طرح رجال الأزهر أنفسهم آراء فضلوا فيها أن يأتي الشيخ بالانتخاب من بين مرشحين من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية. لكن تلك قضية أخرى، فهناك شيخ أزهر جديد هو الدكتور أحمد الطيب تسلم مهام المنصب حديثاً خلفاً للدكتور محمد سيد طنطاوي الذي توفى أثناء وجوده في المملكة العربية السعودية. وكثيراً ما ألمح المعارضون لطنطاوي إلى أن مواقفه تتفق دائماً مع المواقف والرؤى الحكومية في القضايا التي تختلف فيها وجهة نظر الحكومة مع أي طرف آخر سواء كانت القضية سياسية أو دينية. ودخل الشيخ الراحل في مواجهات عنيفة أحياناً وهادئة في أحيان أخرى مع إسلاميين متشددين أو حتى معارضين سياسيين بسبب آرائه ومواقفه، برغم حرصه الدائم على التأكيد على أن لا دخل له بسياسات الحكومة أو مواقفها وتشديده على أن آراءه تتوافق دائماً مع الدين بغض النظر عن رأي الحكومة فيها. كان هذا يجري من دون أن تكون هناك علاقة للشيخ طنطاوي بالحزب الوطني الحاكم، فما بالك بما قد يحدث مع شيخ الأزهر الجديد وهو عضو في أمانة السياسات في الحزب الحاكم؟ ليس سراً أن تلك الأمانة التي يترأسها نجل الرئيس المصري جمال مبارك هي الأهم بين أمانات الحزب وباقي مستوياته التنظيمية، وبقدر ما تمنح أعضاءها نفوذاً أو حتى حضوراً سياسياً وإعلامياً، فالمؤكد أن تأثير استمرار عضوية الدكتور الطيب فيها بعد تقلده منصب شيخ الأزهر سيكون سلبياً عليه. ومهما حاول الرجل الفصل بين موقعه الجديد والتزامه الحزبي فستكون لدى المتربصين آليات جاهزة للاستخدام عند الضرورة، خصوصاً إذا ساند شيخ الأزهر في المستقبل قراراً أو إجراءً أو موقفاً يتبناه الحزب الحاكم وترفضه قوى المعارضة. سألت صحيفة «الدستور» المصرية شيخ الأزهر الجديد بعد صدور قرار تعيينه مباشرة عن هذا الموضوع، فأجاب بأنها «مسألة شخصية»، وبدا من الرد رفضه الخوض في الموضوع، ولم يبد أي نية للاستقالة من الحزب الوطني، وبالتالي من أمانة السياسات. وبالتأكيد فإن الدستور المصري يمنح كل فرد في المجتمع حق ممارسة العمل السياسي، ما عدا رجال الشرطة والجيش الذين يستردون ذلك الحق إذا تركوا مواقعهم، لكن الأمر يبقى مختلفاً بالنسبة الى شيخ الأزهر نظراً لمكانته الدينية. فالأمر كان «مسألة شخصية» لا يحق لأحد مراجعة الدكتور الطيب فيها أثناء ترؤسه جامعة الأزهر، فالمكانة العلمية لا تتعارض أبداً مع ممارسة السياسة ومقاطعتها، وحين تصدى الرجل لعرض شبه عسكري نظمه طلبة الأزهر من أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» داخل الحرم الجامعي، بنى موقفه على اعتبارات موضوعية تتعلق بمكانة الجامعة وحدود النشاط فيها، ولم يذكر أحد وقتها أن الدكتور الطيب اتخذ ذلك الموقف لكونه عضواً في الحزب الحاكم. اختلف الوضع الآن وأصبح الشيخ في موقع آخر وستخضع كل كلمة وتصرف وفعل من جانبه للتحليل من جانب محبيه والتأويل من جانب المتربصين به. قد يحرص الشيخ على الفصل بين موقعه الديني وانتمائه السياسي، لكن الآخرين لن يكونوا مضطرين لمراعاة حرصه على ذلك الفصل إذا وقع التناقض بين مشيخة الأزهر وأي طرف سياسي، وسيجد الشيخ نفسه دائماً مجبراً على الدفاع عن نفسه مع كل قضية خلافية. قد يجد شيخ الأزهر الجديد في الاستقالة من الحزب الوطني الآن حرجاً خصوصاً أن رئيس الحزب موجود خارج مصر في رحلة علاج، لكنه يستطيع أن يقدم على الخطوة بمجرد عودة الرئيس حسني مبارك إلى البلاد حتى لو بدت الخطوة محرجة بالنسبة اليه، فالأفضل كثيراً أن يتعرض مرة واحدة للإحراج بدلاً من أن يظل يشعر بذلك الحرج من الآن وإلى الأبد.