العابرون لا يرتضون أرصفة الكلام بديلاً عن تجسيد عبورهم كملحمة، وإذا كان الأديب التركي العالمي أورهان باموك صرح من شرفة منزله على شاطئ البوسفور يوماً أنه «سيهدد قلوب متابعيه برواية جديدة عن إسطنبول»، فإن أنطاليا التي تحتضن بدفء اجتماع قادة ال20 متوسدة باطمئنان شاطئ المتوسط أبت أن يكون «العبور» مهدداً لآمال وطموحات الحالمين. أنطاليا (المدينة الجنة) أو (الجنة المدينة) أمرهما سواء فكلاهما لا يبغيان وجهاتها الأربع تتلهف النتائج التي ربما تبث قليلاً من الحياة في أنامل الفقراء وتفتح النوافذ في حوائط يأسهم. تزينت المدينة بأعلام قادة الدول المشاركة في قمتها ليس كصويحبات يوسف، بل كضوء منطلق من عمق سماء صافية ينعكس أمناً على وجنات الريح فتنقله بصبر الخضر مع موسى (عليه السلام) إلينا أملاً وشوقاً. ومن فوق منصة «ريجنوم» تصدرت راية السعودية التي تعبر ببهاء عن المملكة في المحافل الدولية والرسمية منذ ال15 من آذار (مارس) 1973 وحتى اليوم، الجانب الأيمن لمرور قادة دول المجموعة. وبلقطات بدت كاتفاق مسبق ما بين عدسات أكثر من 2400 مصور وصحافي وما بين الراية الخضراء المستطيلة التي تتوسطها شهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) تصدرت الأخيرة المشهد في لقطاتهم كافة، وكأنها تتوازى مع أكف الزعماء الممدودة في مشهدٍ لا يمكن أن يكون عابراً في قمة ليست عابرة. العلم السعودي حضر القمة مرتفعاً وسط أقوى 20 راية تمثل دول المائدة المستديرة، ليبرز باختصار الدور الرائد للمملكة إقليمياً وعالمياً، فإضافة إلى أنه العلم الوحيد الذي لا يتم تنكيسه أو إنزاله إلى نصف السارية في حالات الحداد أو الكوارث والأحداث الكبيرة التي تعبر عن موقف الدولة والمراسم الدولية، ويُحظر ملامسته للأرض والماء والدخول به لأماكن غير طاهرة أو الجلوس عليه لما يحمله من دلالة دينية تعتز بالدين الإسلامي والسيف العربي الذي يرمز إلى الوطنية، فإنه أصبح سمة رئيسة في اللقاءات الدولية كافة التي تحدد خريطة ومستقبل العالم. العلم السعودي الذي ارتفع في قمة ال20 أمس واليوم مر بمراحل ثلاث عبر التاريخ السعودي القديم والحديث، كانت مرحلته الأولى خلال الفترة من 1932 إلى 1934، والثانية منذ 1934 إلى 1938، فيما جاءت مرحلته الثالثة منذ 1938 إلى 1973، قبل أن يتغير إلى الشكل الحالي منذ ذلك الوقت وحتى الآن. فيما يختلف العلم الذي يحضر على طاولة لقاءات أو في مقرات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، عن العلم الذي نراه حاضراً في المؤتمرات واللقاءات الدولية، إذ يتزين العلم الخاص بخادم الحرمين الشريفين أو ما يسمى ب(العلم الملكي السعودي) بأنه يمتاز بوجود شعار المملكة في زاويته بالأسفل مطرزاً بخيوط ذهبية ومعدل التناسب. وكان حافظ وهبه المولود في حي بولاق الشعبي في مصر (1889-1967) هو من صمم العلم، إضافة إلى عمله كمستشار للملك عبدالعزيز يرحمه الله، ثم سفيراً للمملكة في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية.