بين «جنون الفنون» وتمازج الإبداعات اللا معقولة نسجت أنامل فتيات سعوديات لوحات أسطورية تعدت حدود الخيال، وأرغمتها على الظهور في الواقع الملموس، عبر استخدام خامات مهملة من المعادن والورق والمصابيح، وتوظيفها بشكل خرافي ليجعلن منها تحفاً تذهل لها الأذواق، وتتسابق في الظفر باقتنائها من يبحثن عن التميز والغرابة. الرغبة في المشاركة في معارض عالمية كانت رغبة وهاجس 23 فتاة أعلنّ، بعد نجاحهن، الاستمرار في المضي وصناعة المزيد من الفساتين المبتكرة، إضافة إلى الاستفادة من الخبرات الأكاديمية والتدريسية الخارجية لدعم وصقل الموهبة. الفستان الحديدي قدمت عملها كلوحة ديناميكية، ووظفت من العجلات والألعاب، وسيور الدراجات، وقطع معدنية لوحة أزياء حديدية، تشعرك بالحركة والسرعة والمرح لتخرج ب «فستان حديدي» غير قابل للبس! تقول نورة كريم صاحبة الفستان الحديدي، الذي سمته ب «الدوامة»: «كان الأمر في البداية أني أردت استخدام إطار سيارة، ولكن الأمر كان صعباً لثقلها، ثم غيّرت واستخدمت إطارات دراجة هوائية، وقمت بتفكيكها واستخدام بعض الأجزاء منها، ومحاولة ادخاله وتركيبه بشكل مناسب في التصميم المعد»، وأضافت: «إن مدة التنفيذ استمرت أسبوعاً ونصف الأسبوع»، ولم تواجه نورة أي صعوبة سوى طريقة التعامل مع المسامير والأدوات الحادة في الدراجة، مشيرة إلى أنها قامت بدرس التصميم عن طريق الرسم خلال دراستها في المعهد، وأوضحت أن الإطارات المستخدمة في الفستان قابلة للدوران والحركة، لذلك أطلقت عليه اسم «الدوامة»، وعرضت نورة تجربتها على فنانين من دول العالم أبدوا استغرابهم من جودة ودقة التصميم وغرابته، وتفكر في استثماره لاعتباره قطعة فنية، ولا تخفي نورة شعورها بالفخر بعد الانجاز، وتؤكد أنها لم تتوقع أن يأخذ كل رد الفعل هذا من الجمهور، وعن الخطط المستقبلية تتمنى أن تشارك به في معارض عالمية وعمل معرض متحرك. قاتل الملايين هيفاء آل سعود، صاحبة تصميم «قاتل الملايين»، رغبت في دمج الفن ضمن مفهوم الأزياء عن طريق توصيل فكرة قامت بتوجيهها لشريحة المدخنين في المجتمع، أكدت ل«الحياة»: «قمت بتنفيذ فستان «قاتل الملايين» على مراحل، وهي المراحل التي يتدرج فيها المدخن وما يتسبب له من أضرار صحية منذ بداية شرائه للسجائر وتدرج انتشار السموم في جسده إلى وصوله للنهاية القاتلة، ورمزت للنهاية عن طريق وضع الجمجمة أعلى الفستان، وقمت بتوزيع مادة «التبغ» بكثافة على منطقة القفص الصدري ومكان الرئة، التي تتركز في جسم المدخن وانتهائه بمرض السرطان»، وقالت: «إنها قامت باستخدام الورق المقوى والألمنيوم، واستغرق العمل مني أسبوعاً فقط»، ولم تواجه أي صعوبات سوى الرغبة في إظهار التفاصيل وإيصالها للناس برسالة توعوية، وعن دور المشرفات قالت كن يتابعن سير العمل بجدية مع إعطائنا الكثير من الاقتراحات والتوجيهات والقرار الأخير يعود لنا، وقالت: «يمكن أن استخدم تصميمي كشعار تحذيري يمكن استخدامه في مناسبات معينة تخدم رسالتي المقصودة عن آفة التدخين» وأضافت أنها تنوي الاستمرار في المجال نفسه. حماسة الفتيات شجعتنا لخوض التجربة أستاذ تصاميم الأزياء والمشرفة على الفتيات في معهد المهارات للفنون كارين عجوز قالت ل «الحياة»: «استقطب المعرض أعمالاً فنية خارجية ولم نقتصر على أعمال الفتيات فقط لرغبتنا في إظهار جميع ما أبدعته أنامل الفتاة السعودية وتنظيم معرض خاص لهذا الغرض، وليس بالضرورة أن يكون لدى المشاركات من الخارج خلفية دراسية لفن التصميم كشرط للمشاركة، ولكن للاستفادة من التجارب الأخرى». وقالت: «إن حماسة الفتيات وصلت إلى حضورهن في أيام إجازة نهاية الأسبوع لاستكمال تنفيذ تصاميمهن، وأشارت إلى أن هذا المعرض هو الأول من نوعه الذي حظي بانفراد وتميز في إظهار مواهب الفتيات، إضافة إلى 6 معارض سابقة قام المعهد بانجازها خلال الفترة الماضية»، وقالت عن الرؤية التي تهدف لها ورشة العمل هو «تصميم الفساتين كلوحة فنية وإنتاج أعمال تحفز على خلق عمل إبداعي يجمع بين مجال الفنون البصرية وتصميم الأزياء معاً وإظهار الحس الفني الذي يُظهر مخيلة الفتاة وإظهار المشاعر والأفكار الفلسفية»، وتشير إلى أن الهدف أيضاً «عمل فستان يكون أساسه مستمداً من الخيال الواسع واكتشاف الذات». جاء ذلك المعرض ضمن ورشة عمل «تصميم الفساتين كلوحة فنية» التي قدمتها أستاذة الفنون الجميلة بمركز البحوث والفنون في جامعة سوربون في باريس البروفيسور داني ليرتش، وهدفت الورشة لتطوير وتنمية مهارات الفتيات السعوديات المهتمات بتصميم الأزياء والفنون البصرية، بدعوة من رئيس مجلس إدارة معهد المهارات والفنون، الأميرة أضواء بنت يزيد بن عبدالله، وبالتعاون مع مركز البحوث والفنون بجامعة السوربون، والملحقية الثقافية للسفارة الفرنسية في الرياض. المعرض يضم نخبة من أعمال المتدربات السعوديات في هذه الورشة، التي تؤكد البروفيسور داني ليرتش أن فكرة الورشة تكمن في تبادل الحضارات بين الثقافة الفرنسية والثقافة السعودية، وترتكز على توظيف الخامات والأدوات التي نستخدمها في حياتنا اليومية إلى شيء مبتكر وملموس. وأبدت البروفيسور داني إعجابها بالمستوى الفكري والعملي للمتدربات السعوديات وما وصلن إليه من إبداع. تقول إحدى المتدربات ريم الكنهل: «أتاحت لنا هذه الدورة إظهار مواهبنا، إذ ركزت البروفيسور داني على إظهار الإبداع في كل متدربة». أما خلود الحصين فتشكر القائمات «على هذه التجربة لإتاحتهن الفرصة للاستفادة من الخبرات الخارجية»، وتقول: «إن هذه الدورة ساعدتها على إظهار ما تحب بطريقة مميزة وإبداعية»، وتضيف: «أنصح كل من تريد أن يعبر عن خيالها أن تشترك في مثل هذه التجربة». أما جواهر السديري فأتى فستانها «شريط ذكرى»، يرصد ويسجل وينقل الحدث، «وظفت ألبوم صور لأهم عارضات الأزياء بالأبيض والأسود كصور متراصة، بطريقة منتظمة، تأخذ من شريط المادة الفيلمية قوة ارتكاز وانطلاقة». وجسدت أحلام المطلق لوحتها كشماغ وغترة عربية، مزينة بحروف عربية متناثرة، شكّل العقال العربي. أما فستان بنكهة القهوة، الذي قدمته دليل آل سعود، ويعبر عن لوحة تعبق بالقهوة، إذ وظفت من أكواب القهوة الكرتونية وعلب تقديم الشاي لوحة أزياء امتازت بغرابة الطرح وبساطة الفكرة وعمق ودلالة المعنى. وحدة التقاء وارتكاز يذكر أن المعرض يشمل 23 عملاً فنياً أبدعتها أنامل الفتيات وأبرزن مواهبهن من خلال طرق توظيف الأشياء المهملة بطريقة مبتكرة، وقامت الفتيات بإطلاق أسماء رمزية ومعبرة ومشتقة من أسماء الخامات المستخدمة في الفساتين.