لا يُصدق أحمد سالم (34 سنة) الذي يستأجر نادياً صحياً في أحد فنادق مدينة شرم الشيخ، مشهد مئات السائحين في المنتجع الأبرز في مصر، وهم يصطفون في صالات المغادرة في مطار شرم الشيخ. ويقول: «في مثل تلك الأيام، ننتظر عادة العكس. غالباً يشهد شهرا كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير) أكبر نسبة إشغال في الفنادق من الأجانب، خصوصاً الروس، لقضاء إجازة أعياد الميلاد. الموسم انتهى بالنسبة إلينا». وتُجلي روسياوبريطانيا رعاياهما من شرم الشيخ، في أعقاب سقوط طائرة ركاب روسية في سيناء نهاية الشهر الماضي، ما أسفر عن مقتل 224 شخصاً. وفي حين لا تزال التحقيقات عن أسباب سقوط الحادث جارية، رجحت بريطانيا وأميركا وإسرائيل وتبعتهم روسيا أن يكون سقوط الطائرة بسبب انفجار قنبلة. لكن القاهرة ترفض تأكيد تلك الفرضية. واعتبر الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل تلك الترجيحات أن تبني «داعش» المسؤولية عن الهجوم «محض دعاية». غير أن تلك الدول قالت إن معلومات استخباراتية دفعتها إلى تبني هذا الترجيح. وأشار «داعش» إلى أنه سيعلن آلية إسقاط الطائرة بعد إعلان لجنة التحقيق تقريرها. وقال رئيس لجنة التحقيق الدولية الطيار أيمن المقدم إن كل الفرضيات غير مستبعدة. وأكد المعلومات عن سماع صوت من تفريغ الصندوقين الأسودين في الثانية الأخيرة قبل سقوط الطائرة، بعد إقلاعها بنحو 23 دقيقة. وأشار إلى أن الصوت يحتاج إلى تحليل في معامل متخصصة لتحديد مصدره. وقدرت السلطات المصرية عدد السياح الروس في مصر الذين يتم إجلاؤهم تباعاً ب80 ألف روسي، فيما تُجلي بريطانيا 20 ألفاً من رعاياها من شرم الشيخ. وأوقفت الدولتان أي رحلات إلى المنتجع. وقال سالم: «أياً كان سبب سقوط الطائرة، المهم أن السائح غادر المدينة، ولن يعود إلا بعد شهور، على أقل تقدير، وهذا انهيار لموسم مهم». وقال الأمين العام للنقابة المستقلة للعاملين في السياحة حمدي عز ل «الحياة» إن نحو 200 ألف حجز من روسيا في شرم الشيخ خلال الشهرين المقبلين، بات مصيرهم مجهولاً. وأضاف: «غالباً لن تتم تلك الحجوزات، بسبب توقف الطيران». وحسب إحصاءات الجهاز المركزي للمحاسبات، فإن مصر استقبلت العام الماضي 9.9 مليون سائح، بينهم نحو 2.8 مليون سائح من روسيا وحدها و6.31 مليون من أوروبا الغربية. لكن تعليق الطيران إلى شرم الشيخ سيقضي على فرص استقبالها سياحاً أجانب من الدول التي اتخذت هذا القرار. وقال عز إن «قطاع السياحة يُكافح منذ سنوات من أجل التعافي، فأتت حادثة الطائرة وما رافقها من صخب عالمي وقرارات غير مسبوقة من دول مهمة، لتوجه ضربة قوية إلى القطاع، قد تؤثر على العاملين فيه». لكنه لا يستطيع أن يحدد أجلاً زمنياً لهذا الضرر. وأوضح أن «الأمر ستحسمه نتيجة التحقيقات في الحادث بدرجة كبيرة، وأيضاً تعامل الحكومة المصرية مع مطالب الدول الغربية الخاصة بأمن سياحها». وأوضح سالم أن النادي الصحي الذي استأجره «يعمل فيه نحو 12 شخصاً قد اضطر إلى الاستغناء عن بعضهم لو غادر الأجانب الفندق. الوفود التي ينتهي حجزها أكثر عدداً من الوفود التي تصل». وتشهد مصر حملة دعائية قوية لتشجيع السياحة الداخلية، وحض المصريين على السفر إلى المقاصد السياحية التي هجرها أجانب. لكن سالم لا يرى فائدة كبيرة في ذلك. ويقول: «السائح الأجنبي هو من يأتي بالنقد الأجنبي، فضلاً عن أن إقامة الوفود السياحية تستمر أياماً، أما الأسر المصرية فوجودها في شرم الشيخ مرتبط أساساً بمواسم وإجازات الدراسة، وهناك خدمات في المنتجع قائمة على السائح الأجنبي، منها مثلاً النادي الصحي في الفندق، فمن بين عشرات الزبائن لا استقبل مصريين، وأيضاً رياضة الغطس، ورياضات مائية كثيرة لا يُقبل عليها المصريون». وأشار عز إلى أن «الترويج للسياحة الداخلية في تلك الفترة أمر مهم، لكنه لن يعوض المنتجعات ولا حتى الاقتصاد عن السائح الأجنبي». وقال: «قد يساعد المصريون في عدم تسريح العمال، أو إغلاق منشآت فندقية، لكنهم لن يضخوا نقداً أجنبياً ضرورياً حتى للاقتصاد». وكان قطاع السياحة بدأ في التعافي العامين الماضي والجاري، بعد أحداث سياسية سببت اضطرابات داخلية أثرت في حركة السياحة. وزادت إيرادات السياحة في العام الماضي إلى 7.3 بليون دولار من 5.1 بليون دولار في العام السابق عليه، بعدما كانت اقتربت من 10 بلايين دولار في العام 2012-2013، حسب إحصاءات البنك المركزي المصري. وقالت الحكومة إنها تستهدف رفع دخل السياحة إلى 26 بليون دولار في العام 2020. وتعاني مصر تراجعاً حاداً في احتياط النقد الأجنبي سبب انخفاضاً غير مسبوق في سعر الجنيه، ما رتب ارتفاعاً في الأسعار بنسب كبيرة، إذ يميل ميزان المدفوعات بدرجة كبيرة إلى مصلحة الاستيراد. ووفقاً لبيانات البنك المركزي، تراجع الاحتياطي النقدي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى 16.3 بليون دولار، علماً أن خبراء كانوا حددوا 15 بليوناً مستوى حرجاً للاحتياطي يواجه بعده الجنيه المصري ضغوطاً هائلة لتخفيض قيمته إلى مستويات خطرة. واستقال محافظ البنك المركزي هشام رامز في خضم أزمة الدولار الشهر الماضي، وعين الرئيس عبدالفتاح السيسي المصرفي طارق عامر في موقعه، ومن المقرر أن يتسلم مهمات منصبه خلال أيام. وأتت حادثة الطائرة الروسية وما رافقها من أزمة في قطاع السياحة وسط ترقب الأسواق لسياسات عامر وأثرها في سعر الدولار الذي وصل إلى 8 جنيهات في عطاءات البنك الرسمية وتخطى 8.5 جنيهات في السوق الموازية. وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أمس ارتفاع معدلات التضخم الشهر الماضي إلى 9.7 في المئة، على أساس سنوي، لافتاً إلى ارتفاع معدلات التضخم 2.2 في المئة الشهر الماضي، ما يشير إلى ارتفاع أسعار سلع بدرجات اقتربت من 40 في المئة. وغالباً ما يرتبط ارتفاع سعر صرف الدولار بقفزة في أسعار السلع في الأسواق، في ظل اعتمادها على الاستيراد بدرجة كبيرة، واضطرار التجار إلى شراء الدولار من الأسواق الموازية بأسعار عالية، لضمان استيراد المنتجات أو خامات الإنتاج. وفي حال أثرت أزمة السياحة في موارد النقد الأجنبي، فلن يجد البنك المركزي مناصاً من تخفيض قيمة الجنيه، حفاظاً على الاحتياطي، ما يعني مزيداً من ارتفاع الأسعار، في وقت يترقب الشارع تأثير تكليف الرئيس السيسي الجيش بالتدخل للجم ارتفاع الأسعار، ووعوده بانخفاض الأسعار بداية من الشهر المقبل. وعقد السيسي اجتماعات عدة مع وزراء وقيادات في الجيش من أجل البحث في أزمة ارتفاع الأسعار التي سببت استياء شعبياً. وقالت وزارة الخارجية إن سفير مصر لدى موسكو محمد البدري التقى رئيس الوكالة الفيديرالية للسياحة «لاتخاذ عدد من الخطوات لبناء الثقة لدى السائح الروسي، تمهيداً لعودة الرحلات بمجرد استئناف الطيران». وأكد أن «التعاون والتواصل مع الجانب الروسي يسير في شكل مطمئن». ويُنتظر أن يطير وزير السياحة هشام زعزوع الأسبوع المقبل إلى موسكو للبحث في الأزمة. غير أن الكرملين أعلن أمس (أ ب) أن حظر الطيران إلى مصر سيستمر «شهوراً»، معتبراً أن «من المستحيل» توقع اجراء مراجعة راديكالية لاجراءات الأمن في فترة قصيرة.