تفاقم الوضع الأمني في لبنان، نتيجة تدهوره في طرابلس وفي منطقة البقاع الشرقي الشمالي ومحيط بلدة عرسال أمس، وشهدت البلاد سباقاً بين المعالجات التي استأثرت باهتمام كبار المسؤولين وبين تمدد عملية قطع الطرقات، التي بدأت بقطع طريق اللبوة – عرسال قبل 4 ايام، الى البقاعين الأوسط والغربي، ثم الى الطريق الساحلي بين الجنوب وبيروت، وامتدت الى قلب العاصمة ليلاً، تضامناً مع عرسال، ما ينذر بتوسع التوتر المذهبي، جراء التداعيات الأمنية المتعددة الأوجه للتطورات العسكرية السورية بعد احتلال الجيش النظامي السوري بلدة يبرود، بين قرى ومناطق سنيّة وأخرى شيعية تبادلت عمليات إقفال الطرقات بعضها على بعض بالحجارة، ما جعل بعض المناطق مقطعة الأوصال ومعزولة. (للمزيد) وفيما شيّع «حزب الله» اثنين من عناصره قتلا ليل الأحد الماضي حين فجر انتحاري السيارة المفخخة التي كان يستقلها قربهما بعد اشتباههما به في بلدة النبي عثمان، تراجعت حدة الاشتباكات في طرابلس وساد الهدوء الحذر الذي تخللته أعمال قنص بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة، وترأس رئيس الحكومة تمام سلام اجتماعاً مع وزراء المدينة ونوابها حضره رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي من أجل للبحث في حلول جذرية للوضع الأمني المتدهور في المدينة الذي بلغت جولاته المتقطعة الجولة العشرين والتي كانت بدأت ليل الخميس الماضي. وبينما يبدأ المجلس النيابي اليوم مناقشة الحكومة في بيانها الوزاري تمهيداً للتصويت على الثقة بها، وبعدما جرت معالجة اعتراض حزب «الكتائب» على عدم الاكتفاء بمرجعية الدولة في تحرير الأرض من الاحتلال، أكد رئيس الجمهورية ميشال سليمان أثناء استقباله رئيس «الكتائب» أمين الجميل مع وفد من نوابه ووزرائه، أن «البيان الوزاري يركز على مرجعية الدولة في الدفاع عن لبنان»، كما أكد سليمان للوفد أن ما ورد في البيان الوزاري يتلاقى مع ما ورد في «إعلان بعبدا». ونقل زوار سليمان عنه قوله إنه ينوي دعوة هيئة الحوار الوطني الى الاجتماع من أجل البحث في الاستراتيجية الوطنية للدفاع وما يتفق عليه أعضاء الهيئة من مواضيع. ورجّح أن تتم الدعوة في 31 الجاري بعد نيل الحكومة الثقة. وقرر المكتب السياسي ل «الكتائب في اجتماع مسائي الطلب من وزراء «الكتائب» الاستمرار في المواجهة السياسية «من داخل الحكومة تعبيراً عن تطلعات الحزب وشريحة كبيرة من اللبنانيين». وكان سليمان اجتمع منذ الصباح الى كل من وزيري الدفاع نائب رئيس الحكومة سمير مقبل، ووزير الداخلية نهاد المشنوق لبحث ضبط الوضع الأمني. وعاد الأخير فالتقى سلام. وأعلن الوزير المشنوق ليلاً ان طريق اللبوة عرسال ستفتح اليوم. وجرت سلسلة اتصالات أمس من أجل التمهيد للجلسة النيابية اليوم لضبط المداخلات، بعد أن تجاوزت الحكومة مشكلة تحفظ «الكتائب» على البيان الوزاري، مخافة أن ينعكس التدهور الأمني داخل البرلمان. وكان استمرار إقفال الطريق الى عرسال من بلدة اللبوة الذي استمر أمس لليوم الرابع، أدى الى سلسلة اتصالات من أجل فتح الطريق، خصوصاً أن عرسال تعاني من تدفق النازحين السوريين الذين تردد أن عددهم بلغ ال90 ألفاً، جراء التهجير من يبرود ومحيطها، ومن تزايد عدد الجرحى في المستشفى الميداني في ظل تعذر دخول المنظمات الطبية والإغاثية إليها. وأفادت المعلومات أن اتصالات جرت بين فعاليات البلدة، لا سيما رئيس بلدية عرسال ونائبه، مع المسؤولين اللبنانيين ووجهاء بلدة اللبوة، فوعدوا بأن تفتح الطريق فور الانتهاء من تشييع عنصري «حزب الله» اللذين قضيا الأحد في التفجير الانتحاري. إلا أن الطريق بقيت مقطوعة، ما أطلق عملية إقفال طرق مقابلة تدحرجت مثل كرة الثلج تضامناً مع عرسال وللمطالبة بفك الحصار عنها فأقفلت عصراً طريق سعدنايل – بعلبك – شتورا، ثم طريق تعنايل المصنع، ثم طريق مجدل عنجر المصنع، وقب الياس – عميق في البقاعين الأوسط والغربي. وقابل مؤيدون لحركة «أمل» و «حزب الله» ذلك بقطع طريق جلالا – شتورا. وأجرى نائب المنطقة عاصم عراجي اتصالات بسلام والمشنوق، اللذين أجريا اتصالات مع قيادات في «أمل» و «حزب الله» في شأن فتح الطرقات كافة. وانتقلت عملية قطع الطرقات الى منطقة السعديات، أي الطريق بين بيروت وصيدا، ما لبث الجيش أن فتحها. وليلاً حاول شبان قطع طريق المدينة الرياضية (بيروت) بالإطارات المشتعلة وحاويات النفايات، وتولى آخرون إشعال الإطارات عند طريق قصقص – شاتيلا المؤدية الى الضاحية الجنوبية. وافيد ليلاً ان الجيش اعاد فتح طرقات المنطقة وان اطلق نار ادى الى سقوط جرحى فيما وردت أنباء من الشمال عن قطع طريق حلبا ثم طريق العبدة عكار. وحذّر زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري من «مخاطر حملات التحريض والتجني التي تستهدف مدينة طرابلس وبلدة عرسال»، مؤكداً على «دور الدولة في تحمّل المسؤولية الكاملة عن سلامة الأهالي، الذين لن يرضخوا الى دعوات وتهديدات المتورطين في دماء الشعب السوري، والنافخين في رماد الفتن الطائفية في لبنان وكل المنطقة». وعبّر الحريري عن «أعلى درجات التضامن مع عرسال وأهلها، ومع طرابلس التي لن تتخلى عن إعلاء كلمة الحق ونصرة الشرفاء من أبناء الوطن، الذين سيسجل لهم التاريخ بحروف من ذهب دعمهم للشعب السوري المظلوم ومشاركتهم في استقبال وإغاثة النازحين ورفض الإساءة لدورهم الإنساني والقومي»، وقال: «سيسجل التاريخ أن حزب الله هو المسؤول عن استدراج الحريق السوري الى لبنان والمشاركة في حرب قرر فيها أن ينصر نظام بشار الأسد على حساب الشعب السوري وسلامة لبنان». وطالب الدولة ب «رفع الضيم عن عرسال». وفرض موضوع قطع الطرقات في مناطق عدة نفسه على الاجتماع الذي ترأسه سلام والمخصص لطرابلس بحضور ميقاتي ووزراء المدينة ونوابها، الذي انتهى بإعلان رئيس الحكومة أنه سيعرض على مجلس الوزراء خطة أمنية اقتصادية إنمائية للمدينة. وقال أحد النواب ل «الحياة» إن سلام استمع الى عرض مفصل من النواب والوزراء للظواهر والأسباب التي تحول دون وضع حد للاشتباكات التي تحصل من حين لآخر بين باب التبانة وجبل محسن وللفلتان الذي يشكو منه عدد من الأحياء في ظل انتشار السلاح. وشدد النواب على ضرورة المعالجة الجذرية لهذه الظواهر وتطبيق خطة متوازنة لا مراعاة فيها لطرف على آخر، وأكدوا أن معالجة التوتر متروكة للجيش اللبناني وبالتالي عليه عدم التهاون مع كل من يخل بالأمن، لا سيما أن عشرات الخطط الأمنية كانت وُضعت لكنها لم تفلح في توفير الأمن وأكدوا أنهم ضد التعرض للجيش في أماكن انتشاره في باب التبانة ومع توفير الغطاء السياسي، لكنهم لاحظوا أن أحياءها أصبحت كأنها تحت الحصار. واتصل سلام بقائد الجيش العماد جان قهوجي للعمل على فتح طريق اللبوة – عرسال في أسرع وقت لإسقاط أي ذريعة لقطع الطرق في عدد من البلدات الأخرى تضامناً مع عرسال. وفي نيويورك، دعا مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان السلطات السورية الى «احترام سيادة لبنان بشكل كامل» وأبلغ مجلس الأمن في جلسة حول الشرق الأوسط استمرار «القصف والغارات السورية على مناطق مختلفة في لبنان».