مرّ مهرجان الجنادرية للثقافة والتراث الذي يحتفل هذا العام ب«اليوبيل الفضي» بمراحل تطور تخللت مسيرته المتواصلة منذ 26 عاماً، باستثناء انقطاع طارئ تمثّل في توقفه عام 1411ه، لظروف حرب الخليج الثانية. تاريخ طويل من الإنجازات كتبتها أيدٍ سعودية بحبر الحضارة والثقافة، مثّل فيه المهرجان حضناً دافئاً للمثقفين والمفكرين والمبدعين في شتى المجالات والفنون، ليبقى ممثلاً لعملية ربط التكوين الثقافي المعاصر للإنسان السعودي بالميراث الإنساني، الذي يشكّل جزءاً كبيراً من تاريخ البلاد. هذا العام وتحت شعار «وحدة وطن»، تنطلق خلاصة تجربة ربع قرن، ويحل «الفرنكفونيون» ضيوفاً على المهرجان، الذي استضاف في العامين الماضيين أحفاد القياصرة الروس، ومن قبلهم أحفاد العثمانيين الأتراك. ولد المهرجان الأضخم في السعودية في الثاني من رجب عام 1405، منبثقاً عن فكرة عرض قرية متكاملة للتراث، تصف طريقة عيش الإنسان السعودي قبل 50 عاماً، كما حصل في نسخته الأولى، وتطور في ما بعد - تدريجياً -ليضم فعاليات ثقافية وفنية ورياضية، ويبدأ باكتساب شهرة عربية وعالمية. ركّزت النسخة الثانية من مهرجان الجنادرية على الشعر والاستعراض الشعبي، إذ شاركت 13 فرقة شعبية في المهرجان، كما استضافت منابر الشعر في المهرجان 200 شاعر، فضلاً عن استضافة 57 دكاناً للمقتنيات التراثية وإقامة 12 معرضاً. ولادة حقيقية بقي الحضور الثقافي ضعيفاً في المهرجان حتى بدء نسخته الثالثة، عندما قرّرت إدارته إقامة ندوة ثقافية كبرى، شارك فيها مثقفون ومفكرون عرب، حول التراث الشعبي العربي وعلاقته بالفنون الأخرى، لتضحي هذه الندوة جزءاً مهماً من المهرجان في سنواته اللاحقة. وتعد نسخة «الجنادرية 3» الولادة الحقيقية للمهرجان، إذ شهدت مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي، كما أقيم فيها للمرة الأولى عرض للأزياء النسائية التقليدية. نسخة الأوائل تضخم المهرجان في عامه الرابع، ليعرض 60 مهنة وحرفة شعبية من 24 منطقة من مناطق المملكة، كما أقيم 23 معرضاً للجهات والمؤسسات الحكومية قدمت فيه نماذج من فعالياتها، ليشهد المهرجان في عام 1408 أول معرض للكتاب، شاركت فيه 22 هيئة حكومية وإقليمية و22 دار نشر سعودية. كما شهدت نسخة «الجنادرية 4» أول عرض في الفروسية قدمه 83 خيالاً طيلة أيام المهرجان، في حين شهد الجانب الثقافي جلسات نقاش احتوت على 28 أديباً ومفكراً سعودياً وعربياً ومستشرقاً. الدورة الذهبية في العام 1409، اقتطعت الانتفاضة الفلسطينية – الحدث الأبرز في ذلك التاريخ – جزءاً كبيراً من اهتمام المهرجان في دورته الخامسة، وهي «الدورة الذهبية» إن صحت التسمية، إذ شهدت دخول المسرح والنشاطات الرياضية، فضلاً عن نشاط ثقافي بارز تمثل في تجاوز عدد زوار معرض الكتاب 150 ألفاً، بمشاركة 36 دار نشر و20 هيئة حكومية، إلى جانب إقامة معرض كبير للفنون يحتوي على لوحات ورسومات لفنانين سعوديين. واشتمل المهرجان الوطني السادس للتراث والثقافة (جنادرية 6 ) الذي افتتح في 3-8- 1410ه، واستمر على مدار أسبوعين علاوة على نشاطاته السنوية المعهودة مزيداً من المشاركات الثقافية والفنية والتراثية لاقت إقبالاً جماهيرياً كبيراً، لتكون النتيجة، تسجيل هذه الدورة أكبر حضور في تاريخ المهرجان، بتجاوز عدد الزوار 290 ألف زائر وزائرة. كما شهدت الفعاليات الرياضية، تنظيم سباق بالكراسي للمعوقين، إضافة إلى مسابقة «ماراثون الجنادرية» على مضمار سباق الهجن شارك فيها أكثر من 300 متسابق. في حين مضى المهرجان الوطني بنسختيه السابعة والثامنة من دون جديد يذكر، على رغم الحضور الكثيف الذي شهدتاه والفعاليات المتنوعة التي أقيمت خلالهما. حضور نسائي قوي جاء المهرجان العاشر مختلفاً عن سابقيه، على رغم اتفاقه معها في الفعاليات والفقرات والأجنحة، إذ فتح فيه المجال للمرأة للمشاركة والإسهام في نشاطاته الثقافية للمرة الأولى. كانت «الجنادرية 11» النسخة الفكرية بامتياز، إذ شهدت إقامة ندوة كبرى حول «الإسلام والغرب»، شارك فيها مفكرون من الغرب ممن عرفوا بالطرح الموضوعي العلمي يقابلهم عدد من مفكري الإسلام وعلمائه، فيما لم يشهد «جنادرية 12» شيئاً جديداً، باستثناء توسع مشاركة المرأة وتطور دورها، حتى أصبح لها نشاطات ثقافية تشرف عليها، وكذلك كان الأمر بالنسبة ل«جنادرية 13». نسخة المئوية أتى المهرجان الوطني للتراث والثقافة في نسخته ال 14 استثنائياً في كل شيء، لتزامنه مع الذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، لتأخذ نشاطات المهرجان بعداً تنظيمياً وبرامجياً وتجهيزياً ونشاطياً مختلفا يتواكب وحجم المناسبة. وتوشح المهرجان بهذه المناسبة المئوية وتمحورت كل نشاطاته حولها، وتضمن برنامجه «أوبريتاً» بعنوان: «فارس التوحيد»، شكل ملحمة شعرية غنائية وحدثاً فنياً استثنائياً لما جسده من ملحمة الجهاد والتوحيد والبناء في عرض درامي مثير تكامل فيه الإبداع الشعري والتقنية المتعددة في الإخراج والإبهار. وتنامى دور المرأة في المهرجان في نسخته ال 15، من خلال النشاط النسائي الذي أقيم في قاعات مكتبة الملك عبدالعزيز العامة حيث كان من أبرزها ندوة أقيمت بعنوان: «المرأة المسلمة من أدبيات النهضة والتنوير نقد وتقويم» وكذلك ندوة «الأسرة المسلمة... من خضم العولمة» التي جسدت ما تملكه المرأة السعودية من قدرة على العطاء الفكري والأدبي والعلمي والثقافي بشكل واضح. وقدر عدد زوار المهرجان لذلك العام ب1.6 مليون زائر. وبعد 11 عاماً على اقتطاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى حصة من المهرجان، استحوذت انتفاضة الأقصى (الثانية) على نسخته ال16، من خلال معرض للفن التشكيلي تم فيه طرح قضية القدس وانتفاضة الأقصى، فضلاً عن إقامة معرض مسرحي يقام للمرة الأولى على مستوى المملكة وعرض 15 مسرحية من مختلف مناطق المملكة. عرين الأسد وفي يوم الأربعاء 22 شوال 1424ه انطلقت نسخة المهرجان ال19، وتضمن حفلة الافتتاح أوبريت الجنادرية «عرين الأسد» الذي تقوم فكرته على استعراض مراحل قيام الدولة السعودية والتحولات السياسية والاجتماعية التي واكبتها. كان الجديد في النشاط التراثي في هذه الدورة مشاركة وزارة الخارجية ووزارة البترول والثروة المعدنية، وتجهيز مبنى لوزارة الدفاع والطيران ومبنى إمارة منطقة جازان، وتمت إضافة دكاكين تمثل منطقة الحجاز وإنشاء مبنى لمدرسة الكتاتيب في السوق الشعبية وإعادة تصميم بوابتها. وتضمن النشاط المسرحي 21 عرضاً مسرحياً من مختلف مناطق. وبلغ عدد الجهات الحكومية المشاركة بالمهرجان 49 جهة و3 مشاركات من دول مجلس التعاون الخليجي كما بلغ عدد الحرف اليدوية المعروضة في قرية الجنادرية 237 حرفة يدوية، وبلغ عدد الضيوف المدعوين للمهرجان 114 ضيفاً من المملكة و90 ضيفاً من خارج المملكة. وسجلت الدورات ال 20 وال21 وال22 تألقاً وحضوراً واسعاً على صعيد الفعاليات والحضور الضخم، كما شهدت مناقشة قضايا قومية وثقافية مهمة. وانتقل المهرجان في نسخته ال23 إلى العالمية، بعد أن بدأ باستضافة دولة صديقة ك «ضيف شرف»، وجاء اختيار تركيا كأول دولة مستضافة. وفي يوم الأربعاء السابع من شهر ربيع الأول 1430ه رعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود انطلاقة المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته الرابعة والعشرين الذي ينظمه الحرس الوطني سنوياً بالجنادرية. وشاركت دولة روسيا ضيف شرف في عام 1430 واختار المهرجان في هذه الدورة موضوع «حوار الثقافات» ليكون الموضوع الرئيسي للبرنامج الثقافي.