أثار برنامج إذاعي عبر إحدى الإذاعات التي تبث على الموجة القصيرة في السعودية موجة احتجاج واسعة، لما اعتبره البعض بأنه «ابتذال» في محتوى البرنامج، الذي كان يبث اتصالات هاتفية بين زوجين، يتبادلان كلمات رومانسية، ما دفع الإذاعة التي بثت البرنامج إلى تقديم اعتذارها والاستغناء عن خدمات المذيع. وعلى هامش النقاش حول البرنامج أبدى من تبقوا من عشاق المذياع حسرتهم على «المجد» الذي فقدته الإذاعات، بسبب تراجع مكانتها، إثر ظهور منافسين أقوياء، بينهم التلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى «التدني» في مستوى البرامج المقدمة عبر الأثير. ففي بداية العصر «الذهبي» للإذاعة في خمسينات القرن الميلادي الماضي، كانت العائلات تجتمع أثناء فترة البث، للاستماع إلى البرامج الفكاهية والموسيقية والمنوعات. وكان الأطفال يهرعون من مدارسهم إلى منازلهم، لمتابعة البرامج المخصصة لهم، وفي أثناء النهار كان النساء يجتمعن حول المذياع لمتابعة المسرحيات. وبفضل الإذاعة دخلت الموسيقى بأنواعها إلى المنازل، وعرف العالم برامج حوارية شهيرة. كان للإذاعة تأثير كبير ورسالة خلال الحرب العالمية، من بث رسائل مشفرة إلى الجيوش، وإرسال معلومات مغلوطة أدت إلى هزائم فادحة، ولا ينسى دور جهاز الراديو في حرب الخليج، في بداية التسعينات، وأهمية برامجه آنذاك. وجاء ميلاد الإذاعة السعودية في عهد مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز آل سعود قبل 70 عاماً أي في عام 1368، أصدر حينها الملك عبدالعزيز مرسوماً ملكياً وضع فيه الإطار العام للإذاعة، وأكد ضرورة «التزام الصدق والأمانة، والواقعية، والالتزام بالموضوعية، وعدم التعرض لأحد بالشتم أو التعريض بأحد أو المدح الذي لا محل له». كما أكد ضرورة «الاهتمام بالأمور الدينية وإذاعة القرآن الكريم والمواعظ الدينية». كل هذه القيم كانت محور عمل الإذاعة لفترة طويلة من الزمن، إلا أن التغيير الذي طاول كل نواحي الحياة، امتد إلى العمل الإذاعي أيضاً، في تغيير نوع البرامج والفئة المستحوذة على تقديمها والرسائل المرجوة منها. فيما غاب عنها ما يعتقد البعض أنه «مهم»، وحضر ما يعتقد البعض الآخر أنه «مُبتذل وسخيف». جاء ذلك بعد موقف من إحدى الإذاعات التي أثارت موجة من الاستياء لدى الجمهور السعودي، إثر إحدى الفقرات التي وصفت بأنها «تجاوز لحدود الأدب واللياقة». وأصدرت هيئة الإعلام المرئي والمسموع بياناً حينها، بوقف فقرة البرنامج. كما قررت الإذاعة الاستغناء عن خدمات المذيع، الذي أثيرت حوله موجة الغضب في البرنامج «تأديباً له وحفاظاً على قيم المجتمع وأمانة الكلمة». وكانت الفقرة عبارة عن طلب رقم زوجة المتصل على البرنامج، ليسمعها زوجها كلاماً رومانسياً على الهواء مباشرة، بموافقة الزوج وعلمه ما اعتبره كثيرون «تجاوزاً لحدود الآدب العامة». وبعد هذه القضية أصدرت هيئة الإعلام المرئي والمسموع خطاباً موجهاً إلى الجمهور، تحثهم على «التواصل المباشر في حال وجود شكوى، أو اقتراح متعلق بإحدى وسائل البث». وشملت أجهزة الاستقبال الفضائي والقنوات التلفزيونية والإذاعات المسموعة، والمحتوى المرئي والمسموع على الإنترنت والألعاب الإلكترونية. وأوضح المذيع سعود الجهني الذي يعمل في محطة إذاعة جدة منذ نحو 18 عاماً، أن «بعض المذيعين يعتقدون أن هذا ما يريده المجتمع، من خلال متابعة برامج التواصل الاجتماعي، ورؤية ما يشغل الناس وطرحه بسطحية، قد لا تخدم القضية، وهذا خطأ فادح». وقال الجهني ل«الحياة»: «يجب أن يكون هناك صدقية في الطرح والإلمام به من جميع النواحي، فغالبية المذيعين يطرحون الأفكار بسخرية وضحك واستهزاء ما أفقد الإذاعة حالياً كثير من الصدقية»، مضيفاً أن هناك «كثيراً من البرامج يقدمها شباب، ويندى لها الجبين، ولكن من حسن حظ هذه البرامج، أنه لم يثر حولها نقاش في مواقع برامج التواصل الاجتماعي». وأردف أن المذيع كان يختار ما يقدمه بحذر، مشيراً إلى أن المذيع في ما مضى يتمتع «بخلفية إعلامية وثقافية جيدة، وأن سمعته في الأوساط العملية لا غبار عليها، وأنه ملتزم بالأنظمة والتعليمات، ولكن أصبح الاختيار عشوائي حالياً، ومن دون دقة». وعلى رغم كل ذلك، يبقى دور الراديو عبر التاريخ، سواءً أكان في العالم أم في السعودية، مهماً في كل الفترات الزمنية، ومن خلال الأحداث التي عاصرها الأجداد، من حروب وتغييرات سياسية وتحولات ثقافية، فكان يسهم في إيصال الأخبار إلى الناس، كما كان الراديو موجوداً في كل منزل، إلى أن أحيل إلى التقاعد، ليصبح أحد أهم قطع الأثاث التاريخية لدى الأسر.