قبل أيام قرّرت إحدى الإذاعات الاستغناء عن أحد مذيعيها بعد موجة الاستياء التي عمّت الشارع السعودي إثر إحدى فقراته التي تجاوزت حدود الأدب واللباقة. حيث يطلب المذيع من المتصل الاتصال على زوجته ليسمعها كلاماً رومانسياً على الهواء مباشرةً، وهو ما اعتبره كثيرون تجاوزاً لحدود الآداب العامة. وقالت الإذاعة في بيانها الصحفي: «إلحاقاً لما سبق أن أصدرته هيئة الإعلام المرئي والمسموع بحق أحد مذيعيها، بوقف فقرة برنامجه، فإن الإذاعة تود شكرها وتأسف لما بدر منه كخطأ فردي، وتؤكّد حرصها الشديد على السياسة الإعلامية للمملكة، وتقرّر بدورها الاستغناء عن خدماته تأديباً له، وحفاظاً على مكانة المحطة التي تحرص على قيم المجتمع وأمانة الكلمة، والله الموفق». وفي أثناء ذهابي للعمل التقط مذياعي أثير إحدى الإذاعات وكان البرنامج الصباحي اليومي للمذيع الفلاني وزميلته الفلانية التي للأمانة لم تكن حاضرة في تلك الحلقة. اللافت للنظر أن هذه الحلقة كانت تتكلم عن الرومانسية ومفهومها لدى الناس بعد حادثة المذيع الأول بأيام، فاستبشرت خيراً، أن تكون الحلقة أكثر نضجاً وتصحيحاً لما بدر من زميلهما في الإذاعة السابقة، إلا أن المصيبة أن الطرح كان مبتذلاً جدا ولم يختلف عن طرح مذيعنا الأول. وأذكر أنه حينما سأل المذيع أحد المتصلين بقوله ما هو مفهومك للرومانسية أجاب المتصل إذا لعب فريقي الفلاني وفاز.. فقاطعه المذيع أنا ما أقصد كذا.. فقال المداخل: يا أخي أنا بكيفي رومانسيتي مع فريقي. لقد أصبحت حرية الرأي محتكرة في هذه البرامج، وآراء الناس وأذواقهم صارت بلا اعتبار، فما أسهل إقفال الهاتف في وجه من لا يساير ويوافق المذيع في رأيه ومفهومه، فالمذيع يحاول توجيه المتصلين واحتكار آرائهم في حدود فهمه هو للرومانسية. وبعيداً عن الدخول في النيات إلا أنني أجد أنه من الإجحاف السكوت عن المذيع الثاني في حين أن الأول قد استدعي من قبل هيئة الإعلام المرئي والمسموع للتحقيق معه وإيقاف برنامجه، بل إن الإذاعة ذكرت أنها استغنت عن خدماته تأديباً له – ولو كان تبياناً له واعتباراً لمن بعده لكان أولى- ولاشك أن الموضوع لم يكن ليحصل ولم تكن الحلقة لتبث لولا جهود طاقم كامل في الإذاعة ولكن كان لابد من ضحية كي يسلم باقي القطيع. حلقة الرومانسية في الإذاعة الأخرى بينت حقيقة، هي أن الإذاعات في منأى عن الرقابة والمتابعة وأن الشارع والمستمع يقوم بجزءٍ من الدور الرقابي حين يستهجن مثل هذه الممارسات والأخطاء كما أن هذا الاستهجان والاستنكار الشعبي هو المعيار لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمثل هذه التجاوزات وليس عن طريق ضوابط معينة لدى هيئة الإعلام المرئي والمسموع، وإن كانت الضوابط موجودة ولكنها قد تكون فضفاضة.