لا يحسد المهندسون على موقفهم عشية انطلاق الموسم الجديد من بطولة العالم لسباقات فورمولا واحد التي بدأت أمس تجارب مرحلتها الأولى على حلبة صخير البحرينية، إذ إن التعديلات كانت كثيرة على قوانين رياضة الفئة الأولى، ما ينبىء بموسم مغاير كليّاً لسابقه، وقد يحمل مفاجآت توازي فوز البريطاني جنسون باتون وفريقه اليافع «براون جي بي» بلقبي السائقين والصانعين في 2009. وجديد الموسم تغيير نظام التأهل، حيث تتم تصفية السيارات على ثلاث مراحل، ويسمح فقط لأفضل عشر سيارات بخوض المرحلة الأخيرة لمعرفة متصدر السباق انطلاقاً. كما اعتمد نظام جديد للنقاط، ليحصل الفائز في السباق على 25 نقطة، والثاني على 18، والثالث على 15، ف 12 للرابع و10 للخامس، وصولاً إلى نقطة واحدة للعاشر، وهذا ما اعتبره مراقبون خطوة مهمة لإبقاء المنافسة حتى "الرمق الأخير". باختصار، تبدو صورة موسم 2010 جديدة في كثير من ملامحها، خصوصاً مع تبديل سائقين بارزين لألوانهم، ودخول مواهب جديدة على الخط، أمثال سائق وليامس الألماني نيكو هولكنبرغ. وطبعاً سيكون الألماني ميكايل شوماخر محط الاهتمام أينما حلّ هذا الموسم، وهو يعزز هذه الصورة الزاهية بحماسة ظاهرة وشباب دائم في مواجهة منافسين أعلن بعضهم التحدي وكشف آخرون عن حلم راودهم منذ الطفولة ويختصر في هزم البطل الرمز، على رغم علمهم بأنه سيكون بالمرصاد لهم لكونه لم يعد من أجل المال أو مزيد من الشهرة، إذ لا يزال على حدّ قوله شاباً حالماً، ولو أنه بلغ العقد الرابع من العمر. ويعود شوماخر هذا الموسم إلى الحلبة بعد غيابه ثلاثة أعوام ونصف العام وهو سيخوض مغامرته الجديدة مع فريق مرسيدس جي بي, فيما تحول الإسباني فرناندو ألونسو من رينو إلى فريق "شومي" السابق فيراري. وهو كسر احتكار شوماخر وفيراري للقب العالمي عامي 2005 و2006. واعتبر السائق الإسباني عودة شوماخر "مفيدة لرياضتنا. هذا الأمر يساعد فورمولا واحد. أنا سعيد جدا لوجوده هنا وآمل ان نخوض معركة جيدة". وأشاد ألونسو بخصمه الألماني واصفاً إياه "أفضل من أبطال من طراز الأرجنتيني خوان مانويل فانجيو والبرازيلي الراحل ايرتون سينا". وزاد: "إذا نظرت إلى الألقاب التي توج بها شوماخر, فاعتقد انه من المستحيل أن ينجح أحد في تكرار ما حققه. إذا نظرت إلى الأرقام, الألقاب, الانتصارات, الانطلاقات من المركز الأول. فنحن متفقون أن ميكايل هو الأفضل في التاريخ, وبالتالي أنا سعيد لأنه هنا. الفوز بالسباق في ظل وجود شوماخر يكون أكثر قيمة, وبالتالي سنحاول". منذ أيام قال "زعيم" فورمولا واحد بيرني ايكلستون: "لا يمكنني أن أخفي فرحتي. بمجرد أن أنظر إلى لوحة الأسماء، أتأكد بأن الموسم الحالي سيكون أكثر من رائع. حان الوقت كي تعود إلى سابق عهدها" في موسم يضم 19 جائزة كبرى، وتبشر ملامحه بصراع مرير ومثير على اللقب. ويؤكد أن الخبراء "المياومين" في الحلبات، أن لا ضرورة للتوقعات والتحليلات، "يكفي أن ترى هذه الأسماء أمامك، لتعرف ان المعركة حاصلة لا محال، وإن لم يكن من معركة رياضية، فالمعركة الإعلامية مضمونة"، بوجود أبطال العالم منذ عام 2000. الأسطورة شوماخر، وبطلا العالم السابقين البريطانيين لويس هاميلتون وجنسون باتون، والإسباني ألونسو، والمرشح الدائم البرازيلي فيليبي ماسا. لكن الجميع ينتظرون معركة ثلاثية بين شوماخر وألونسو وهاميلتون. والموسم ال61 من بطولة العالم لسباقات فورمولا واحد كاد لا يبصر النور، بسبب الخلافات التي حصلت في منتصف الموسم الماضي بين الاتحاد الدولي للسيارات "فيا" وعدد من الحظائر، على خلفية تخفيض النفقات للحظائر، من أجل تخفيف وطأة الأزمة العالمية، إضافة إلى خلق مساواة بين الحظائر المشاركة. وقد هددت سبعة فرق منها فيراري بالانسحاب من البطولة، ولم تحل الأمور إلا بعد تدخل الشركة الراعية المالية للسباقات، حيث تقرر إبقاء الأمور على حالها حتى سنة 2012. ويشهد موسم 2010 دخول أربعة حظائر جديدة هي: فيرجين الانكليزية، "يو أس إف وان" الاميركية (طلب الفريق تأجيل خوض البطولة إلى السنة المقبلة)، كامبوس ميتا الإسبانية (طلب مالك الفريق تغيير اسمه)، ولوتس البريطانية، علما أن الاتحاد الدولي كان فتح الباب قبل عام، وتقدمت 15 حظيرة للمشاركة قبلت منها الأربع المذكورة. ولعل سبب الإقبال نظام الرعاية الجديد للاتحاد الدولي، حيث تحصل كل حظيرة "ناشئة" على دعم مالي من ممولين يؤمنهم الاتحاد، مع موازنة مقبولة تسمح لهذه الحظائر بالاستمرار وعدم الانسحاب لاحقاً. وتضم اللائحة سماً جديداً لحظيرة سابقة: براون غران بري، بطلة العالم للصانعين الموسم الماضي، التي انتقلت ملكيتها وتغير اسمها إلى "مرسيدس غران بري"، بعد الصفقة التي قام بها مالكها روس براون مع شركة "مرسيدس بنز". لكن الصفقة الأهم كانت تلك التي تمّ فيها ضم شوماخر بطل العالم 7 مرات ليكون الحدث الذي سيشعل الموسم الجديد. الحافز والعائق ويعترف شومي بأني وجد صعوبة في المرحلة الأولى للتأقلم مع القيادة مجدداً، لكنه متفائل ومصمم: "صحيح أن التجارب الأولى لم تكن جيدة كما أشتهيها، إلا أني أعرف أن لدينا موسماً كاملاً لتطوير قدراتنا!" والمشاكل التقنية قد لا تكون العائق الوحيد في مسيرة هذا الموسم للبطل الألماني، إذ إن مواطنه وزميله الشاب في الفريق نيكو روزبرغ قد يكون عاملاً مسيئاً في تقدم الفريق، كونه لم يستسغ مسألة وجود نجم من هذا العيار معه، لعلمه المسبق أن شوماخر سيحصل على العناية الأفضل، وطبعا على حسابه، حتى أن البرازيلي روبنس باريكيللو، زميل شوماخر السابق في فيراري، نصح روزبرغ بمغادرة الحظيرة والانضمام إلى فريق يهتم به: "بوجود شوماخر لن نحصل إلا على الفتات. فالأفضل لنا أن نحصل على فرصتنا للبروز، من ان نبقى أسرى نجومية غيرنا". وكلام البرازيلي لاقى صدى حسناً عند روزبرغ الذي سبب بعض الخلافات مع الإدارة الجديدة للحظيرة، قبل أن يستكين ويرضى بالدخول في المشروع، موضحاً أنه سيقوم بكل ما يلزم للاستفادة من وجوده في الحظيرة للفوز بلقب أول في السباقات. من جانبها، أقدمت حظيرة ماكلارين على ضم حامل اللقب باتون، ليشكل مع مواطنه البطل السابق لويس هاميلتون "قوة بريطانية هائلة"، قادرة على السيطرة على المجريات الميدانية. وتجمع ماكلارين للمرة الثانية منذ 1989 (ضم فريقها البرازيلي سينا والفرنسي ألن بروست آخر بطلين للعالم في فريق واحد. والمخاوف كانت تكمن في تكرار المواجهة بين الرؤوس كما حصل بين هاميلتون وألونسو عام 2007، إلا أن هذا الأمر بدده المسؤولون الإداريون، الذين اعتبروا أن شخصية السائقين الحاليين مختلفة تماماً عن تلك النارية للإسباني. وجددوا التأكيد أن "سياسة ماكلارين واضحة، وهي لم تتغير منذ أكثر من عقدين. كل سائق في الحظيرة له فريقه الخاص، وهما يحصلان على العناية والجودة ذاتهما، في التعاطي في المسائل التقنية واللوجستية". ونقل جيفري هولترز، المسؤول الإعلامي في الحظيرة البريطانية، عن ادارة الفريق رغبتها في استعادة لقب الصانعين في السيارات، والغائب عن سجلها منذ عام 1998. ويبدي هاميلتون تصميماً واضحاً وارتياحاً قبل ساعات من إنطلاق الجولة الأولى على عكس ما كان عليه العام الماضي، وأوضح أن "سنة 2010 مهمة في مسيرتي، خصوصاً بعد نكسة العام الماضي حيث لم أستطع الدفاع عن لقبي كما يجب. أنا سعيد جداً بالحصول على زميل مثل باتون، وقد تفاهمنا على نقاط عدة، أبرزها تغليب مصلحة الفريق على مصلحتنا الشخصية، وأكدت له أني لن أكون أبدا حجر عثرة أمام وصوله مجدداً إلى عرش بطولة العالم، واتفقنا على أن الأفضل بيننا سيحصل على ما يستحقه في النهاية!". ولا يخفي هاميلتون حماسته لموسم "مثير فوق العادة. كان حلمي أن أنافس شوماخر في سباق ما. هذه السنة ستكون رائعة بوجوده ووجود بقية الأبطال، وأتطلع فعلاً للفوز مجدداً باللقب أمام هذه النوعية من المنافسين الشرسين، وأنا متأكد أن مستوى البطولة سيكون فعلاً مرتفعاً!" من جهته، لم يخف باتون مخاوفه خصوصاً انه حامل اللقب، وكل الضغوط ستكون عليه لمعرفة ما سيفعله أمام "الأبطال الفعليين". ويدرك أنه مضطر لإثبات مستواي الحقيقي خصوصاً أن معظم وسائل الإعلام اعتبرت فوزه العام الماضي ضربة حظ، نتيجة تفوق سيارته في القسم الأول من البطولة، ثم تراجع أداؤه في الثاني. ويبادل باتون زميله الجديد الشعور ذاته "أنا مرتاح إلى الأجواء السائدة في ماكلارين، فهي حظيرة محترمة ولها خبرتها الكبيرة. وأظن أني سأحصل على الكثير من الإفادة بوجودي هنا، كما أن وجود هاميلتون سيساعدني على تقديم الأفضل، وهذا ما اتفقنا عليه. فليفز الأفضل ولتكن مصلحة الحظيرة هي الأولوية". "ديوك" أما فيراري التي لبست الثوب الإسباني بعد التعاقد مع ألونسو، وهو حقق حلماً قديماً بدخول جنة الحظيرة الايطالية الشهيرة، "منذ فوزي الأول في بطولة العالم وأنا أعرف إن مسيرتي يجب أن تمر بفيراري. انه الحلم الكبير لكل سائق في هذه الفئة، وأنا سعيد لحصولي على هذه الفرصة، وآمل أن أتمكن بعد انتهاء عقدي سنة 2012 من تمديده فترة جديدة، حتى نهاية مسيرتي!". ولا عجب أن يكون البطل الإسباني أعطى كل ما لديه - منها تضحية لمدة عامين في حظيرة رينو "المتواضعة" - وخسر الكثير ليحصل على فرصته في فيراري على حساب بطل العالم 2007 الفنلندي كيمي رايكونن. وبسببه، ربما اضطر شوماخر لتغيير فريقه، وهذا ما أوضحه ماورو كالياني، الكاتب الرياضي في مجلة "توتو سبورت" الشهيرة، إذ أوضح مجدداً ملابسات عملية الانتقال، "مغادرة شوماخر لفيراري كانت نتيجة رفض الإدارة منحه أفضلية على ألونسو. فهم رفضوا عودته العام الماضي، لأنهم لا يريدونه ثابتاً معهم كسائق، بل كعضو في الفريق الاستشاري التقني. لا يمكنهم أبدا جمع الثنائي شوماخر – ألونسو في فريق واحد، لأن هذا الثنائي يحمل في طياته انفجاراً أكيداً بين ديوك لا تقبل إلا بالمركز الأول!" ولا يخفى على أحد أن ألونسو مستعجل قبل غيره لاستعادة لقب بطولة العالم مرة ثالثة، خصوصاً أمام هذه الكوكبة من النجوم. ولكنه قد يصطدم مع زميله في الفريق البرازيلي ماسا، الذي حصل على مقعده في فيراري نتيجة الحادث المؤلم الذي تعرض له العام الماضي، وكاد يودي بحياته، فكان التعويض بإبقائه سائقاً ثانياً، علماً أن الجميع استهجن هذه الخطوة، معتبرين أن لرايكونن أفضلية من الناحية الرياضية. ويشير كالياني إلى أن إدارة فيراري ترى في الثنائي ألونسو – ماسا مشروعاً قابلاً للحياة أكثر من الثنائي ألونسو – رايكونن، لأن السائق الفنلندي لن يقبل حتماً أن يكون مواطن درجة ثانية في الفريق، خلافا لماسا، الطامح إلى استعادة فرصة عام 2008 حين حلّ ثانياً وكاد يخطف اللقب لولا حظه العاثر. ويدرك مروجو صورة حظيرة "الحصان الجامح" أن ألونسو هو الصورة الأفضل لبطولة العالم، وشخصيته النارية أفضل عرض لفيراري أمام الآخرين". من جهتها، تطمح حظيرة "ريد بل" لتأكيد جدارتها. وكانت حلت ثانية العام الماضي، بفضل نجمها الصاعد الألماني سيباستيان فيتيل الذي عاش موسماً ذهبياً، ويتطلع ليكون الحصان الأسود. وأظهرت التجارب الأولى قبل التوجه إلى البحرين أن "ريد بل" تقدم الأداء الأفضل. وبحسب ما أكده أحد مسؤوليها "طموحنا الوصول إلى المركز الأول ولو تطلب الأمر سنوات من العمل والجهد". كما استفادت حظيرة وليامس من تصفية حظيرة "براون"، لتحصل على خدمات البرازيلي باريكيللو، على أمل أن يستطيع هو وزميله الشاب الألماني هوكنبرغ من إعادة هذه الحظيرة العريقة إلى ساحة التنافس بعد أكثر من 12 سنة على إنجازاتها القديمة. كما حصلت رينو على خدمات الموهوب البولوني روبرت كوبيكا (القادم من بي أم دبليو) ومعه الروسي الصاعد فيتالي بيتروف. وتلعب فرق ساوبر وفورس إنديا وتورو روسو دور "الكومبارس". ويعود اسم بطل العالم الأسطوري السابق ايرتون سينا إلى الحلبات، عبر أبن أخيه برونو سينا، الذي سيخوض موسمه الأول مع كامبوس ميتا.