اعترفت مسؤولة قسم الشرق الأوسط في إدارة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب كورنيليا هيلله بوجود رقابة في مجال النشر العالمي، مؤكدة وجود قوى تتخوف من الانفتاح الكامل. وقالت هيلله في حوار مع «الحياة» إنها تشعر بالتقدير لشجاعة الكثيرين من الناشرين العرب، وما يتمتعون به من قوة تحمل للاستمرار في نشر كتب في ظل الظروف الراهنة، وعلى رغم كل الصعوبات، بل إن هناك من ينشئ دور نشر جديدة. وأشارت إلى روايات سعودية مترجمة إلى الألمانية، لرجاء عالم ورجاء الصانع وبدرية البشر، لكنها أكدت الإقبال الكبير على «بنات الرياض»، إذ تعتبرها من أكثر الكتب مبيعاً في ألمانيا. إلى الحوار. كيف بدأت علاقتك بمعارض الكتاب؟ - بعد أن انتهيت من دراستي تخصصات علوم الشرق الأوسط والعلوم السياسية، أديت فترة تدريب عملي في القاهرة، وفي جناح ألمانيا الاتحادية بمعرض الكتاب الدولي في القاهرة. تعرّفت على إدارة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب التي أصبحت فيما بعد الجهة التي أعمل فيها، وبعد عودتي إلى ألمانيا بدأت العمل في معرض فرانكفورت. كيف تقوّمين عمل الناشرين العرب؟ - أشعر بالتقدير لشجاعة الكثيرين من الناشرين العرب، وما يتمتعون به من قوة تحمل للاستمرار في نشر كتب في ظل الظروف الراهنة، وعلى رغم كل الصعوبات، بل إن هناك من ينشئ دور نشر جديدة. ما هي التغيرات اللازمة حتى تستوفي قوانين حقوق الملكية الفكرية في الدول العربية متطلبات الناشرين هناك؟ - على حد علمي هناك من القوانين ما يكفي في كل الدول العربية تقريباً، كما توجد اتفاقات موقعة لحماية حقوق النشر، لكن المشكلة في عدم تطبيق القواعد السارية، ومحاسبة من يقوم بالمخالفات. كثير من مشاركات الدول العربية تعتمد على الجهات الرسمية ودور النشر المقربة من الحكومات، الأمر الذي لا تستطيع دور النشر الخاصة أن تنافس فيه، لأنها لا تبيع كتبها، وبالتالي لا يمكنها تغطية نفقاتها. فكيف يمكن تحفيز دور النشر الخاصة على المشاركة؟ - صحيح أن الكثير من الأجنحة العربية الكبرى التي تلفت أنظار الزائرين تقف وراءها وزارات، لكن عدد دور النشر الخاصة التي ترسل ممثلين عنها إلى فرانكفورت أكبر بكثير. في معرض فرانكفورت لا يكون الاهتمام الأكبر لدور النشر العربية منصبّاً على بيع الكتب، فالفرصة متاحة لذلك بصورة كافية في الكثير من معارض الكتب العربية، لكن معرض فرانكفورت يوفر لها بدلاً من ذلك فرص تبادل الرأي مع المتخصصين، والترويج لدار النشر، وإقامة شبكة من العلاقات، وتجارة حقوق النشر، علاوة على الكثير من الدورات التدريبية والمتخصصة، هذه هي أهم الأهداف التي يذكرها الناشرون العرب في استطلاعات الرأي التي نقدمها لهم، والتي يمنحوننا فيها تقديرات عالية على تحقيق هذه الأهداف. هل أسهم الأدب الغربي في ترسيخ صورة العربي البغيض والعدواني؟ - إنني لا أستخدم مصطلح الأدب الغربي، ولا مصطلح العربي البغيض والعدواني، ففي ألمانيا وحدها توجد أكثر من 2000 دار نشر، تصدر سنوياً حوالى 80 ألف عنوان، وأنا شخصياً لا أعرف كتاباً واحداً موضوعه (العربي البغيض والعدواني)، إلا أنني في الوقت ذاته لا أستبعد أن يكون ذلك واحداً من بين هذه العناوين ال80 ألفاً في كل عام، لكن المؤكد أن هناك عناوين أكثر من ذلك بكثير، تتناول دول الشرق الأوسط بطريقة جادة للغاية، وفوق ذلك أرى أن أفضل حل هو قراءة الكتب الأصلية من الدولة المعنية، وأن تتاح الفرصة للمؤلفين العرب ليتحدثوا بأنفسهم. عموماً يوجد في الإنترنت كتالوج لمنظمة اسمها (litprom)، يمكن من خلاله معرفة عدد الأعمال التي جرت ترجمتها من كل دولة إلى الألمانية، ومن يراجع هذا الكتالوج يجد أن هناك حوالى 500 عنوان لأعمال مترجمة من العالم العربي، من بينها أعمال لكاتبات من المملكة العربية السعودية، مثل رجاء عالم، ورجاء الصانع، وبدرية البشر، وفيما عدا ذلك فهناك مواضيع ومؤلفون كثر للغاية في هذا المجال، ويمكن القول إن كل الأدباء العرب المعروفين في العصر الحاضر لهم أعمال مترجمة إلى الألمانية، وفي الأعوام الأخيرة حظيت أعمال عربية بنجاح كبير في سوق الكتب الألمانية، مثل رواية «عمارة يعقوبيان» للمؤلف المصري علاء الأسواني، والتي كانت ضمن أكثر الكتب مبيعاً، وكتاب «بنات الرياض» لرجاء الصانع، وتتناول الروايتان الحياة اليومية لمجموعة من الناس في القاهرةوالرياض في الوقت الحاضر، وكان هذان العملان أيضاً من أكثر الكتب مبيعاً في العالم العربي، وهناك أيضاً كتب شعرية ليس لها علاقة بأحداث معاصرة، بل تميل إلى المضامين الأسطورية، وهي كتب لقيت رواجاً كبيراً في ألمانيا، مثل أعمال المؤلف الليبي إبراهيم الكوني. ما الذي تتوقعينه من مشاركتكم في معرض الرياض الدولي للكتاب؟ - إننا نريد التعرف على سوق الكتب السعودية، وأن نستكشف اهتمامات جمهور المملكة. إن جناحنا هذا العام يخاطب بمعروضاته دور النشر السعودية، وأصحاب مكتبات بيع الكتب، والمكتبات العامة، التي نريد دعوتها للمشاركة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، الذي هو أهم وأكبر معرض كتاب في العالم، كما نقدم لزوار المعرض من الكتب المعروضة ما يعطيهم انطباعاً عن الأدب والثقافة في ألمانيا، على سبيل المثال الإصدارات الأدبية الجديدة مع قائمة أهم الجوائز الأدبية الألمانية، ومن بينها جائزة الكتاب الألماني، وكتب الأطفال أو الكتب المصورة عن الفنون والكنوز القديمة لمتاحف برلين، وكذلك أجمل الكتب الألمانية. أنت تعرفين الثقافة السعودية من خلال المشاركة السنوية للمملكة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. ما الذي يرتبط في ذهنك بهذه الثقافة؟ - أعتقد أن العارضين في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، لا يقدمون قَطْعاً عَرْضياً للثقافة السعودية، بقدر ما يعرضون إصدارات دور النشر الخاصة بهم، ونظراً لأني لم أزر السعودية من قبل أبداً، فإنه من العسير عليَّ أن أرسم تصوراً محدداً للحياة الثقافية في المملكة، لكن في الأعوام الماضية أتيحت لي الفرصة للتحدث مع ناشرين ومؤلفين سعوديين، وأعرف أنه على رغم الكثير من قيود الحياة اليومية، فإن هناك حركة ثقافية تنبض بالحياة، وأن الكاتبات السعوديات بصورة خاصة يتمتعن بشهرة كبيرة، وينشرن أعمالهن بنجاح خصوصاً في لبنان. ويسري الأمر نفسه على الفن والسينما في الآونة الأخيرة، وأسهمت المحطة التلفزيونية الألمانية (NDR) في إنتاج فيلم «وجدة»، وحظي باهتمام بالغ، ليس في ألمانيا وحدها، بل إنه دخل مسابقة الأوسكار عن السعودية. كيف استطاع معرض فرانكفورت الدولي للكتاب أن يصل إلى القمة على رغم أنه لا تباع فيه كتب للقراء؟ - معرض فرانكفورت الدولي للكتاب هو الملتقي الأكبر عالمياً للخبراء في محتويات الملكية الفكرية، ويتوجه معرض فرانكفورت بعروضه بالدرجة الأولى إلى اهتمامات هؤلاء الخبراء. وهذه الاهتمامات تتغير بمرور الأعوام، وتضاف إليها اهتمامات جديدة، ففي فترة الخمسينات كانت الحاجة في المقام الأول لتبادل الرأي المتخصص بين أصحاب المكتبات والناشرين، واتضح بمنتهى السرعة أن هناك حاجة كبرى لتبادل الرأي على المستوى الدولي في مجال دور النشر، وبعد عامين فقط من تأسيس المعرض في عام 1949، كانت مشاركة دور النشر الدولية أكبر من الألمانية، واستمر هذا التوجه في تصاعد، وفي السبعينات طرق وكلاء المؤلفين أبواب المعرض، وتأسس مركز الوكلاء، الذي يضم حالياً 600 عضو، وفي هذا المجال المتخصص في الحصول على حقوق الطبع والنشر، نجد أيضاً طلباً متزايداً، والآن هناك مجال «رقمنة» وإدماج المجالات الإبداعية، مثل الكتاب والفيلم والألعاب والموسيقى. هل توجد رقابة في صناعة النشر عالمياً أم ينبغي أن يتمكن كل مؤلف من نشر كل ما يريد؟ - طبعاً هناك رقابة في مجال النشر العالمي، لأنه ما زالت هناك قوى تتخوف من الانفتاح الكامل، وهؤلاء ليسوا فقط عبارة عن حكومات وحكام، بل يمكن أن يتعلق الأمر بوجود رقابة ذاتية عند دور النشر والمؤلفين، وكذلك التأثير الذي يمتلكه المموِّلون. إن الانفتاح الكامل هو ما يريده النشر، وما ينبغي أن يكون عليه، وبناء على ذلك فإن الإجابة على الجزء الثاني من سؤالك هي نعم، ينبغي أن يتمكن كل مؤلف من نشر ما يريد، ولذلك لا توجد رقابة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، إننا نعرض كل شيء طالما كان ذلك لا يمثل انتهاكاً لقوانين ألمانيا الاتحادية.