في عاصمة ألمانيا الاقتصادية، مدينة فرانكفورت الواقعة على نهر الماين، ترتفع ناطحات السحاب لمختلف المصارف العملاقة، وحيث يقع البنك المركزي الأوروبي، والبورصة الألمانية، التقيت مع يورغن بووس، مدير أكبر معرض كتاب في العالم وهو معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، والذي شارك فيه في العام الماضي 7539 عارضاً من 111 دولة، وبلغ عدد زواره 279325 شخصاً، جاؤوا من 124 دولة في العالم، وقام حوالى 10000 صحافي من 63 دولة بتغطيته. عندما تولى منصبه في عام 2005، كان اختيار اتحاد الناشرين الألمان له، بسبب خلفيته الاقتصادية العميقة، في مجال تجارة الكتب، وهو يركز في حديثه على الطابع الاقتصادي لمعرض فرانكفورت، ليس من خلال بيع الكتب، بل باعتبار فرانكفورت أكبر مكان في العالم لتجارة حقوق الطبع. هو شخصية هادئة، يتحدث برزانة شديدة، ولا يظهر أي انفعالات، قال ل «الحياة» انه يرحب بزيارة معرض الرياض الدولي للكتاب في الرياض، وإنه لا يستطيع التعرف على المملكة، والتطورات التي تشهدها بصورة جيدة، بسبب عدم وجود أعمال أدبية سعودية مترجمة إلى اللغة الألمانية، وينتقد بلطف المشاركة السعودية في معارض الكتاب. وهو يرى أن «اللون الأخضر»، مهيمناً على الأرفف، في إشارة إلى الكتب الدينية، ويرى المملكة تستحق أن تكون ضيف الشرف لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب، بعد مراعاة المعايير اللازمة لذلك، «إن ذلك يعطي المملكة الفرصة لتوضح للعالم ما يحدث فيها من تطورات». في المقابل هو ينتقد أوضاع النشر في العالم العربي، ويطالب بإصلاحها قبل التفكير في مسائل الانتقال من الكتاب المطبوع إلى الكتاب الإلكتروني. ويشدد على أهمية احترام حقوق الطبع، وعلى ضرورة التزام معارض الكتاب في العالم كافة، برفض تواجد كتب بدون حقوق طبع، أو ما يعرف ب «قرصنة الكتاب»... فإلى تفاصيل الحوار: لقد وجهت لكم المملكة الدعوة لحضور معرض الرياض الدولي في الكتاب في دورته الأولى عام 2006، ولكنك لم تلب الدعوة، وحتى الآن لم تشارك، فما السبب؟ - عادة ما يكون عندي ثلاثة ارتباطات في الوقت نفسه، إنها ببساطة مسألة ضيق الوقت. انني أود بشدة زيارة الرياض، علماً بأنني لم يسبق لي زيارة المملكة، وأود أن آخذ عنها انطباعاً بنفسي. هل ستستطيع المشاركة في معرض هذا العام في الرياض، الذي سيقام هذا العام؟ - هناك أشياء كثيرة عندي في هذا الوقت، بالتزامن مع معرض الرياض، عموماً لدينا في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، اهتمام كبير بالعالم العربي منذ سنوات عدة، كما تعلم، ومن بينها اختيار العالم العربي كضيف شرف في معرضنا، في عام 2004، وعدت لتوي من الدوحة. وأود أن أتعرف على المزيد من الدول العربية، ومن بينها بالتأكيد السعودية، وهي دولة تحتل أهمية كبيرة ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل أيضاً من الناحية السياسية أيضاً، على الأقل في منطقة الخليج. ما رأيك في الاستثمار في صناعة النشر، هل هو مجدٍ اقتصادياً؟ - أعتقد أن الحال صعبة على الناشر، لأنه مضطر للقيام بالتحول الكبير من الكتاب الورقي، إلى الكتاب الإلكتروني، وعليه أن يقوم بالاستمرار في الطباعة الورقية، وتوزيعها، في الوقت الذي يجب عليه أن يقوم بالاهتمام بالكتاب الإلكتروني، وهذا يتسبب في ضغط كبير على دور النشر الكبرى العاملة على مستوى العالم، لأنها تطور التقنيات، وعلى دور النشر الصغيرة، أن تتحمل استثمار أموال أكثر في الكتاب الإلكتروني، تفوق الأموال اللازمة لإنتاج الكتاب المطبوع. الكتب الرقمية تشق طريقها إلى معرض فرانكفورت، إلا أن هذه التقنيات لم تستخدم اللغة العربية بعد، فهل سيصبح البحر الأبيض المتوسط فاصلاً بين مستخدمي الكتب الورقية والكتب الرقمية؟ - أعتقد بأن كليهما سيستمر في صورة متوازية، كما أرى أن العالم العربي عنده مشكلات مختلفة عن ذلك تماماً، إذ لا يتم منح الرقم الدولي المعياري للكتاب (ISBN) بصورة منتظمة، وبالتالي لا يوجد فهرسة للكتب، وتوجد رقابة، وهناك قيود على نقل الكتب من بلد عربي إلى بلد عربي آخر، سواء استيراد الكتب أم تصديرها. هناك مشكلات كثيرة جداً يجب التفكير فيها، قبل الانتقال للحديث عن الكتب الإلكترونية، التي يمكن أن يكون انتقالها عبر الحدود أسهل من الكتب الورقية، ولكنها يمكن أن تتعرض أيضاً للرقابة، مثلما يحدث في الصين ودول أخرى. ما أكبر ملاحظاتك على الناشر العربي، وهل تشعر أن قوانين الملكية الفكرية في العالم العربي مصدر اطمئنان للناشر هناك؟ - أتيحت لي الفرصة في أبو ظبي، وكذلك في القاهرة، قبل سنوات عدة أن أتعرف على ناشرين مختلفين، وكذلك أقمنا ورشة عمل في العام الماضي في أبو ظبي، وشاركت فيها لمدة يومين، وكان هناك ناشرو كتب أطفال من إيران، ومن مختلف الدول. وأستطيع أن أقول إن هناك أوضاعاً بالغة الصعوبة في كثير من الدول العربية، تواجه عمل الناشرين، للأسباب سالفة الذكر، وعلى رأسها عدم احترام حقوق الطبع، وضآلة عدد القراء، ليس هناك عادة الجلوس للقراءة لمدة ساعة كاملة، وهو الأمر الذي لا يؤثر فيه انتشار الإنترنت بصورة إيجابية، فقد أصبح الأطفال اليوم يقبلون على الإنترنت، إذا أرادوا جمع المعلومات مثلاً، لكتابة موضوع تعبير، المشكلة هي عدم التعود على القراءة منذ الصغر. التنافس الأميركي الأوروبي في النشر، لمن الغلبة فيها؟ - التنافس يكون بين الناشر والناشر أياً كان موقعهم، لأن الناس تشتري عدداً معيناً من الكتب لقراءتها، ولكن لا يمكن التعميم والحديث عن الناشر بصورة مطلقة، هناك ناشر للكتاب العلمي، وهناك ناشر لكتاب الأطفال، وناشر للكتاب المتخصص، وناشر لأدب التسلية، ويلعب الكتاب المدرسي دوراً مهماً في حديثنا عن الناشرين، وهنا يمكن أن نقول إن أكبر دور نشر للكتب المدرسية على مستوى العالم هي الإنكليزية والأميركية، بسبب المميزات التي تتمتع بها بسبب اللغة الإنكليزية، ولا تستطيع دور النشر الألمانية مثلاً مهما كان حجمها، أن تكون منافساً حقيقياً لها، لأن كتبها لا تتمتع بهذا الانتشار العالمي. ما مدى حضور الكتاب وصناعته وحقوقه في أجندة الاتحاد الأوروبي؟ - هذا موضوع كبير جداً، إذ ان ألمانيا تعتبر مثلاً أعلى في الكثير من المجالات، لأن لها تقاليد عريقة مع الكتاب، وكذلك في مجال وضع القوانين المتعلقة بالكتاب، مثل تثبيت أسعار بيع الكتاب، وهي قوانين تتميز بالاستمرارية، وانخفاض أسعار ضريبة القيمة الزائدة المفروضة على الكتاب، ومن خلال دعم كثير من برامج الترجمة داخل أوروبا، وكل هذا القضايا يتناولها النقاش، وتصل إلى المؤسسات الأوروبية، بحيث لا تبقى الإجراءات منظمة للأوضاع في ألمانيا وحدها، لذلك فإن هناك جانبين لابد من مراعاتهما، وهما الظروف المتعلقة بالبيع، والظروف المتعلقة بحقوق النشر، بخاصة حقوق النشر في مجال الكتاب الإلكتروني في العصر الرقمي، وهي مهمة كبيرة جداً للاتحاد الأوروبي، وليس لألمانيا وحدها، بل لابد أن تصبح قضية أوروبية. معارض الكتب معارض الكتب المقامة هل هي الوسيط الفعال في صناعة النشر؟ - نعم، منذ 60 عاماً، عندما جرت إعادة تأسيس معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، لأنه كان هناك معرض سابق للكتاب في فرانكفورت قبل 500 سنة، وأصبح المعرض الحالي ينمو بصورة متزايدة عاماً بعد عام، وطرأت عليه دوماً تغيرات. ولكن في كل عام كنا نتجول في المعرض، ونقوم بمكافأة أشخاص يأتون إلى هنا منذ 40 أو 50 عاماً، وهذا خير دليل على أن الناس يأتون بانتظام، ويعطون المشاركة في المعرض أهمية كبيرة، على رغم التغيرات التي طرأت على العالم، والتحول الذي شهده المعرض، من معرض لعرض الإنجازات في عالم الكتاب، إلى معرض متخصص في تجارة تبادل حقوق الطبع، لقد تغير المعرض، لكنه لبى دوماً الغرض من إقامته. ما المعايير التي لا بد أن يهتم بها كل معرض وهل لابد من صبغة خاصة لكل معرض؟ - هناك متطلبات لكل معرض، لأن لكل معرض صبغته الخاصة به، فمعرض القاهرة موجه إلى الجمهور، ويأتيه سنوياً حوالى مليون زائر، وهو بذلك واحد من أكبر معارض العالم، مثل معرض الهند أيضاً، وهناك معارض ذات صبغة تجارية اقتصادية غالبة، مثل معرض فرانكفورت ولندن وبولونيا، التي تختلف تماماً عن معرض القاهرة، أي أن اختلاف الصبغة، يعني اختلاف المتطلبات تبعاً لذلك، أما ما يجب أن يكون مشتركاً بينها جميعاً، فهو دفاعها عن حرية الرأي، والنقطة الأخرى وهي متعلقة بذلك، ويمكن أن نساعد فيها، فهي العمل على وقف القرصنة، وانتهاك حقوق النشر. التدخل الحكومي في معارض الكتاب هل يفسد المشهد الثقافي حينها؟ - أعتقد أن الأمر يتعلق بكيفية التدخل الحكومي، ليس عندي مانع إذا وفرت الحكومة الأموال لدعم الترجمة، أو إذا دعمت مثلاً مشاركة الدولة كضيف شرف في معرض الكتاب، أو إذا قامت الحكومات مثلنا بدعم برامج لدعوة الناشرين القادمين غالباً من الدول المشرفة على عتبة النمو، أو من الدول ذات أوضاع سياسية صعبة للحضور إلى معارض الكتاب. أعتقد بأنه إذا كانت الحكومات تمهد الطريق لتحقيق أهداف المعارض مثل حماية ودعم التنوع، ومساندة دور النشر المستقلة، ودعم الترجمة، عندها يكون مسموحاً للحكومات أن تتدخل، على رغم أن هذه الكلمة ليست مستحبة، بخاصة وأن الحدود بين التدخل وعدمه ليست سهلة التحديد. لكن ألا ترى أن تدخل الحكومة في معرض الرياض كان إيجابياً، وأدى إلى إتاحة المجال للسعوديين من الجنسين للاطلاع على الإصدارات كافة من الكتب، حتى تلك التي لم تكن متوفرة من قبل؟ - هذا شيء مهم، وهو أن يقوم المعرض بتوفير الكتب التي لا تكون موجودة طوال العام، ولا يجدها الناس في المكتبات، كما هي الحال في بعض معارض الكتب العالمية. أنتم المكلفون من وزارة الخارجية الألمانية بالإشراف على مشاركة دور النشر الألمانية في معارض الكتاب حول العالم، ومنها معارض الكتب في الدول العربية. أليس كذلك؟ - أود في البداية أن أصحح معلومة، وهي أنه لا يجري تكليفنا من وزارة الخارجية الألمانية، بل هناك علاقة شراكة بين شركتنا المسؤولة عن معرض الكتاب في فرانكفورت من جهة، وبين وزارة الخارجية الألمانية من جهة أخرى، نحن عندنا مهمة، هي تنفيذ معرض فرانكفورت الدولي للكتاب بصورة ناجحة، ونحن كجهة ممثلة لدور النشر الألمانية، نقوم بتوجيه الدعوة، واستقطاب مؤلفين من أرجاء العالم كافة، وهو ما نقوم به بالتعاون سوياً مع وزارة الخارجية الألمانية، ومعهد جوته، المتخصص في رعاية اللغة الألمانية. ما الفرق بين أهداف إقامة معرض فرانكفورت عن معارض الكتاب في الدول العربية؟ - إن معرض فرانكفورت له مكانة مميزة، لأنه ذا توجه اقتصادي، وأنه موجود منذ سنوات طويلة جداً، وهو أكثر معرض عالمية على الإطلاق، هذا ما يجعل معرض فرانكفورت مختلفاً. أما معارض الكتب ذات الطابع الاحتفالي بالكتاب، مثل معرض لايبزج، فإنه يمكن مقارنته بمعرض القاهرة، ليس من حيث الحجم، ولكن من حيث المهمة، التي تنصب على الدعاية للكتاب، ووضعه في وسائل الإعلام، وتوفير الكتب للاطلاع عليها. إن الاختلافات لا تعتمد عما إذا كان المعرض في الداخل أو الخارج، بل في الهدف الذي يقام المعرض من أجله، هل هو احتفال بالكتاب، أم هو معرض لبيع الكتب للجمهور، أم هو مخصص لتجارة تبادل حقوق الطبع، علماً بأن معرض فرانكفورت يجمع بين الكثير من الأهداف، لكن البيع المباشر ليس من بين هذه الأهداف. معرض فرانكفورت في معرض فرانكفورت يلمس الزائر الدقة المتناهية في كل صغيرة وكبيرة. فهل هذا الإتقان وموهبة النظام التي تميز الألمان هما السر في نجاح معرض فرانكفورت الدولي للكتاب؟ - أعتقد بأن ما ذكرته هو جزء من أسباب نجاح المعرض، ومن الطريف أن أكثر معارض الكتاب عالمية تقام في ألمانيا بالذات، فكثير من الملتقيات تتم الآن في نيويورك، أو في أي جزء من الدول المتحدثة باللغة الإنكليزية، ولكن هذا المعرض بقي هنا، لعل لذلك علاقة بالدقة الألمانية. ولكن الأهم من وجهة نظري هو هذه الشبكة من العلاقات التي تكونت عبر عشرات السنوات، كما أن الكثيرين من زملائنا وموظفينا يتحركون طوال العام على مستوى العالم، لتعزيز شبكة العلاقات هذه، إنني أعتقد بأن هذا هو العنصر الحاسم، إننا نجد الفرصة للالتقاء بالناشرين في أبو ظبي وفي بيروت وفي القاهرة، وفي طهران، وفي كل المعارض الأخرى، ونتعلم منهم، وهذا هو سبب النجاح في فرانكفورت، من خلال هذه العلاقات مع هؤلاء الناس. هناك تقارير بأنكم تتلقون عروضاً من مدن ألمانية أخرى مثل ميونيخ، التي عرضت عليكم أراضي مجانية للمعرض، وتسهيلات أخرى كثيرة، من أجل الانتقال بمعرض الكتاب من فرانكفورت إلى هناك، فهل هناك خطط بهذا الشأن؟ - طبعاً نتلقى دوماً عروضاً من هذا القبيل، لأنه من المغري وجود مثل هذا المعرض الضخم في أي مدينة، لأن زوار هذا المعرض يأتون بالآلاف من الخارج، وينفقون أموالاً كثيرة من المال أثناء زيارتهم، وتريد المدن أن تقدم عروضاً لنا، بحيث تشق هذه الأموال طريقها إلى خزانتها، ولكن بالنسبة إلينا هذا الموقع في فرانكفورت مثالي، فعندنا هنا مطار كبير أمام أبواب المعرض، وأرض المعرض تقع في وسط المدينة، وليست خارجها على مسافة بعيدة عن وسط المدينة، كما هي الحال في ميونيخ، ولكن هناك نقطة أخرى مهمة، وهي التقاليد المرتبطة بمعرض فرانكفورت. هل تسمح لنا بنظرة وراء الكواليس، كيف يتم التسويق لهذا المعرض، وكيف تقومون بكسب دور نشر جديدة كل عام، والمزيد من الزوار أيضاً؟ - أعتقد أن السر هو أننا في معرض فرانكفورت نطرح الأمر برمته موضع سؤال كل عام، نفكر في ما تغير، إن جودة المعرض تعتمد على قدرته على الإنصات للمتغيرات، وأنه انعكاس لما يحدث في عالم الكتاب على مستوى العالم، وهو الأمر الذي يفرض علينا حسن الإصغاء، ونفكر ما الجديد الذي يمكننا القيام به، وهو ما استطعنا أن نؤديه بنجاح في الماضي، ولكن الأمر مجهد جداً. ولذلك فإنني أعتقد بأن جميع العاملين في المعرض، يشعرون بعد انتهاء المعرض، في آخر يوم في المعرض، مساء يوم الأحد، -وإن كان المعرض في الحقيقة لا نهاية له-، يشعرون بأنهم قد استنفدوا طاقتهم. هل يعني ذلك أن هناك محللين في إدارة معرض فرانكفورت، يقومون بمتابعة التطورات في عالم الكتاب على مستوى العالم؟ - أعتقد بأن نصف فريق العمل يقوم بذلك. أنتم تقومون بتنظيم معرض أبو ظبي، أليس كذلك؟ - نحن شركاء مع هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، ونقوم بتنظيم المعرض سوياً. هل تعتبر هذا المعرض، نموذجاً للتعاون الثقافي العربي الألماني الناجح؟ - لا أعرف إذا كان من الممكن إطلاق صفة «عربي- ألماني» على ذلك، فهو تعاون جيد جداً في داخل إطار عالم الكتب، وصحيح أن له علاقة بالبعد الألماني، لأننا نجلب معنا عناصر القوة الألمانية، القيم التي تحدثتم عنها مثل القدرة على التنظيم. نعم، أرى أنه تعاون ناجح جداً... أعني باستخدام صفة «عربي» أنه يمكن أن يتم النظر إليه، باعتباره نموذجاً للتعاون بين طرف ألماني وطرف عربي. - ... نعم، ولكن هناك طابع مختلف، لأنه محاولة لإقامة معرض للصفقات، لترسيخ دعائم معرض لتجارة حقوق الطبع، فهناك العديد من معارض الكتاب في العالم العربي، وهي مخصصة بصورة محددة لبيع الكتب، ويعيش بعض الناشرين من بيع كتبهم في معارض الكتاب، ولذلك يتنقلون من معرض إلى معرض، ولكن المعرض في أبو ظبي مختلف عن ذلك، لأنه يقوم على التبادل، كما أننا بصدد وضع برنامج ثقافي موسع وبرامج لدورات تنمية القدرات على هامش المعرض، وهو الأمر الذي لا تعتبره معارض كثيرة، من بين أهدافها. أي أن معرض أبو ظبي يشهد عملية «ألمنة» على يدكم؟ - لا، أبداً. لا يتم ألمنته بل يتم تحويله إلى معرض أكثر احترافاً. كان العالم العربي ضيف الشرف في معرض فرانكفورت في عام 2004، أي قبل توليكم لمنصبكم بعام واحد. فما الأثر الذي تركته المشاركة العربية؟ - نعم، كنت حاضراً ومشاركاً في المعرض، لأني كنت أعمل في دار نشر أميركية، وقد تابعت هذه المشاركة، التي كتبت عنها الصحف الألمانية كثيراً، وكانت مشاركة جيدة، ناجحة بالنسبة إلينا وناجحة للمشاركين من العالم العربي، كانت الطموحات عالية، وشاركت فيها الدول العربية كافة تقريباً، وكان هناك إجماع على برنامج مشترك، وكان ناجحاً باهراً. وأصبح الحديث عن (الأدب العربي) شائعاً في الإعلام الألماني، وترسخ هذا المصطلح، بعد أن كان الحديث قبل ذلك يقتصر على (الأدب الإسلامي)، وبذلك تغير شيء في الإدراك من الناحية الثقافية. ما الرقابة التي لابد أن تفرض على صناعة النشر عالمياً؟ هل تؤمن أنه من حق كل مؤلف أن ينشر ما يشاء؟ علماً بأن ألمانيا تمنع مثلاً الكتب التي تنشر الفكر النازي؟ - في ألمانيا توجد نصوص في الدستور توضح المحظور من الكتب، وهي التي تدعو إلى كراهية الشعوب، بخاصة معاداة السامية، أو الكتب الإباحية. علماً بأن الحدود لا تكون دائماً واضحة، فهناك كتب قديمة نشرت قبل 100 عام، وأصبحت الآن ممنوعة، مع مراعاة أن لكل دولة قواعدها في ما يتعلق بمفهوم الرقابة، لكنني أعتقد بأنه ينبغي السماح بالكتب التي تتيح تعددية الرأي السياسي. ودعني أذكر لك أنه جرى منع كتاب أميركي لمدة خمس سنوات في ألمانيا، على رغم أنه كان من أكثر الكتب مبيعاً على مستوى العالم، وكان الفيلم مسموحاً به، ثم جرى رفع المنع عنه، بشرط عدم عرضه في المكتبات، بل كان على المشتري أن ينتظر إحضاره له من المخزن. فأين الحدود الفاصلة؟ إن الأمر كما قلت، ليس دائماً واضحاً. هل ما زال القارئ الألماني يربط بين العالم العربي وحكايات ألف وليلة، ولذلك تجد كتب الأديب السوري رفيق شامي مثلاً إقبالاً شديداً، لأنها تعتمد على هذه الصور النمطية؟ - ربما ينطبق هذا الكلام على أعمال رفيق شامي، مع إضافة البعد الروحاني المميز للشرق، لكن بالنسبة لكتب نجيب محفوظ مثلاً، والتي تجد انتشاراً في ألمانيا، فإنني لا أجد الصور النمطية العربية فيها، بل أقرأها كأدب يتناول حياة أسرة، حياة الناس البسطاء، وهو الوسط الذي جاء منه الأديب المصري، وكان من الطبيعي أن تدور أحداث أعماله في القاهرة، لكن على رغم ذلك لا أشعر عند قراءتي لهذه الكتب بأنها من الأدب العربي التقليدي. إذا زرت المملكة، فهل ستتناول أيضاً التطورات التي حدثت في مجال حقوق الإنسان وغيرها من القضايا السياسية؟ - سيتم ذلك تلقائياً، فكما قلت لك، تأتي معارض الكتب على ثلاثة أمور: الثقافة والسياسة والاقتصاد، صحيح أنني غيرت الترتيب، لأني عادة ما أبدأ بالاقتصاد، لكنني في هذه الحالة لابد أن أبدأ بالسياسة، وما دمت تتحدث عن تحسن تدريجي، فإن ذلك يزيد من أهمية التحدث عن تلك الأمور، لإظهار أن هناك شيئاً يحدث في المملكة. وهذا ما دفعنا أيضاً بشدة لاختيار الصين ضيف شرف، لأننا رأينا أن هناك تغيرات، ومن المهم إظهار ذلك، والدفع للمزيد، علاوة على الإشارة إلى المجالات التي ما زالت متعطلة، وأنه من الضروري أن يحدث شيء فيها هي الأخرى.