«ميخابيل .. ميخابيل»، صرخ عدد من اليهود مرعوبين عندما شاهدوا فلسطينياً يمسك سكيناً وشوكة لتناول الطعام في أحد المطاعم. المشهد تكرر عندما «عطس» الفلسطيني نفسه، ومد يده إلى جيبه ليتناول «منديلاً ورقياً» يمسح به أنفه، بينما كان ينتظر الحافلة في إحدى المحطات، إذ صرخ يهود مرعوبون «ميخابيل.. ميخابيل». هذه ليست مشاهد حقيقية، بل تمثيلية استوحاها ابن مدينة الناصرة العربية في إسرائيل الفنان الكوميدي محمد نائل جبارين من الواقع الذي تعيشه فلسطين منذ نحو شهر. ببساطة وسخرية، يُصور جبارين فيديوات قصيرة وينشرها على حسابه على شبكات التواصل الاجتماعي، فما يلبث أن يتابعها عشرات الآلاف من متابعيه ومحبيه على شبكة «فايسبوك» الأكثر انتشاراً. وبعد موجة متصاعدة من عمليات طعن مستوطنين نفذها شبان فلسطينيون بسكاكين ميزت «هبة القدس» أو «انتفاضة القدس»، أصبحت كلمة «ميخابيل»، أي «مخرّب» أو «إرهابي»، الأكثر استخداماً من اليهود، في حال تعكس هوساً أمنياً غير مسبوق، خصوصاً في مدينة القدسالمحتلة. وخلافاً للانتفاضة الشعبية الأولى (1987-1993)، والثانية المسلحة (2000-2005) اللتين كان لوسائل الإعلام التقليدية دور بارز في تغطيتهما، فإن الشبان المشاركين في «انتفاضة الأقصى» وجدوا ضالتهم المنشودة في شبكات التواصل الاجتماعي لمقارعة إسرائيل في «معارك شرسة» في العالم الافتراضي. فبعد نحو شهر على اندلاع الانتفاضة احتجاجاً على تهويد المدينة المقدسة وتقسيم المسجد الأقصى زمانياً تمهيداً لتقسيمه مكانياً بين المسلمين واليهود، انتشرت كالنار في الهشيم آلاف الفيديوات والصور، بعضها يُبرز «شجاعة» الفلسطيني وصموده ورفضه وتحديه الاحتلال الإسرائيلي من جهة، وبعضها يُظهر «جُبن» اليهودي، وبعضها الآخر يوجه إرشادات ونصائح للشبان المنتفضين. واختفى، تقريباً، معظم التعليقات و»الكلام الفارغ» من على شبكات التواصل الاجتماعي، وحلت محله أخبار جادة ومتابعات لكل فعاليات الانتفاضة وتطوراتها. وكتب ناشطون على «فايسبوك» نصائح للشبان، مثلاً، للتقليل من آثار الغاز المسيل للدموع الذي تطلقه قوات الاحتلال عليهم، أو كيف تطعن جندياً أو مستوطناً طعنة قاتلة، وغيرها من الإرشادات. كما تداول الناشطون فيديوات تُظهر بوضوح كيف أعدمت قوات الاحتلال أو المستوطنون شباناً وأطفالاً فلسطينيين بدم بارد، في ما تعتبره منظمات تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، فلسطينية وإسرائيلية ودولية، «جريمة حرب». في المقابل، وجدت إسرائيل في ما ينشره الفلسطينيون على شبكات التواصل من فيديوات لعمليات طعن بالسكاكين، مادة دسمة لوصم الانتفاضة الشعبية السلمية ب»الإرهاب»، إذ أصبح متداولاً، وفي شكل غير مسبوق، مصطلحات مثل «إرهاب السكاكين»، أو «إرهاب الحجارة». ولم تكتف الدولة العبرية بقتل نحو 60 فلسطينياً خلال الانتفاضة الحالية، من بينهم 13 طفلاً، بل عمدت إلى تشويه الكفاح الوطني الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال والخلاص من الاحتلال، ووصمه ب»الإرهاب». وفي المؤتمر الصحافي الأول للسفير الإسرائيلي الجديد لدى الأممالمتحدة داني دانون، أمسك بورقة بيضاء كبيرة عليها مجسم إنسان وسكاكين كُتب عليها بالإنكليزية: «كيف تطعن يهودياً»، وادعى أنها تُدرس في المدارس الفلسطينية. غير أن المراقب الدائم لفلسطين لدى الأممالمتحدة السفير رياض منصور رد عليه بإبراز صور تظهر مستوطنين يعلمون أطفالهم على استخدام السلاح الناري لقتل الفلسطينيين. وذهب رئيس الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بنيامين نتانياهو، الذي توعد الصحافة والناشطين الفلسطينيين على شبكات التواصل، أبعد من ذلك عندما ادعى قبل أيام قليلة أن الزعيم النازي الألماني رودلف هتلر لم يكن ينوي قتل اليهود، بل طردهم إبان الحرب العالمية الثانية، لكن مفتي القدس الحاج أمين الحسيني أقنعه بحرقهم. غير أن ألمانيا ردت رسمياً على تصريحاته بإعلانها تحمل المسؤولية وحدها عما لحق باليهود خلال سنوات الحرب العالمية الثانية. وتداول ناشطون فلسطينيون، أخيراً، فيديو محاكاة تمثيلياً ساخراً باللغة الألمانية يظهر فيه شبيه لهتلر يعقد اجتماعاً مع عدد من كبار مساعديه يطلب رأيهم في ما يمكن أن يفعله مع اليهود، فيرد عليه أحدهم بالقول إن الحسيني «يأمره» بأن يقتلهم، فيرد هتلر صارخاً في وجهه بأنه لا يحب القتل ولا يريد قتل اليهود، بل ترحيلهم، فيما يحاول مساعدوه إقناعه بالاستجابة ل»أوامر» المفتي. وأخيراً، وبسخرية سوداء، يستجيب هتلر خشية أن يقطع المفتي مساعداته المالية عن ألمانيا.