لا يكاد يخلو بيان صادر عن وزارة الداخلية حول عملية إرهابية نفذت في البلاد من شخصية «ضالة»، كانت السلطات الأمنية أوقفتها، ثم أطلقت سراحها بعد التحقيق أو السجن بفترة، ثم إخلاء السبيل، بعد إخضاعها ل«المناصحة»، التي غالباً ما تثمر عن تراجع المتطرف عن أفكار الخطرة، وإعلان «توبة نصوح». ولا يزال المشهد يتكرر حتى الآن، فالانتحاري سعد الحارثي الذي فجّر نفسه في المصلين مساء أول من أمس (الإثنين) في نجران كان ممن مروا على «المناصحة». وفي وقت عبر فيه متابعون لنشاط «المناصحة» على وسائل التواصل الاجتماعي عن انتقاداتهم «الحادة» للبرنامج الفكري، رفض عضو «المناصحة» الشيخ محمد السعيدي، أن يكون الخلل نابعاً من البرنامج. وقال ل«الحياة»: «البرنامج ناجح، والمنتكسون بعد الخضوع له قلة، ولا تبرر وصفه بالفشل، ومن السهل أن يطلق البعض على برنامج المناصحة هذه الصفة، لأنهم ببساطة لا يعلمون عدد الخارجين منه. لكن الحقيقة هي أن نسبة الانتكاس ضئيلة جداً، مقارنة بمن خرجوا من البرنامج». وأوضح السعيدي أن برنامج المناصحة كغيره من البرامج التي «تحتاج إلى تحديث مستمر وقراءة متأنية، ومعالجة وتصحيح أخطاء، وربما تكون هناك حاجة إلى تطوير في الطرق والوسائل». ومنشأ الخلل - من وجهة نظره - ينبع من علاقات السجين بعد خروجه، ولذلك يرى واجباً على أسر المطلق سراحهم أن «تتكفل بالإبلاغ عن ابنها، إذا بدا لها أن سلوكه تغير، وعاد إلى صداقاته السابقة». وأكد عضو «المناصحة» أن «فن الحوار أهم الركائز التي يجب أن تعطى دورات فيها لمنسوبي المناصحة وعدم الاعتماد على الفن المكتسب، بل ينبغي إدخال العلوم العلمية في الحوار وطرق الإقناع»، موضحاً أن المُناصِحين لا يعانون من مسألة رد الشبه التي تخيم على عقول الضحايا والرد على تساؤلاتهم علمياً، وإنما يحتاجون إلى مزيد من المهارات الأخرى. أما الخبير الأمني الدكتور يوسف الرميح، فعزا رجوع البعض إلى طريقهم السابق إلى «انقطاع المناصحة بعد الخروج من السجن، وأن المناصح يقضي وقتاً أطول مع زملائه الذين يحملون الفكر المتطرف، وبذلك يستطيعون إبعاده عن الحق». واضاف أنه «لوصول الكمال في المناصحة يجب أن يعزل المناصَح في زنزانة أو يجعل عنبر خاص بالمناصحين، ويبعدون عن زملائهم، إذ إن الأصدقاء في العنابر يعيدون المُناصح إلى ضلاله لأنه يقضي أيامه معهم، ونحن نكتفي بساعتين فقط». وزاد الرميح: «العامة لا تعرف ولم تعش البرنامج، فأنا عايشته لأكثر من 12 عاماً، فهو ناجح بكل المقاييس، ولكن طبيعة الناس التركيز على حالات الفشل أكثر من حالات النجاح». ورأى أن ما يقدم إلى السجناء والمعتقلين بتهم الإرهاب من مناصحة «جرعة ليست مكثفة، وتحتاج إلى إعادة نظر». لكنه مع ذلك اعتبر لجان المناصحة «تقوم بدورها المتكامل، على رغم عدم وجود العدد الكافي والوقت اللازم لتوجيه المناصحة»، مطالباً بزيادة العدد، إضافة إلى «تكثيف مساحة المناصحة، واستمرارها في منازل الخارجين من السجون أيضاً، وعدم الانقطاع عن ذلك».