يضطر الحزب الرئيس الموالي للأكراد في تركيا، العدو اللدود للمتشددين والحكومة، إلى إطلاق حملة بعيداً من الأضواء قبل أيام من الانتخابات التشريعية المبكرة (الأحد) المقبل، خصوصاً أنه يجد نفسه في وضع محرج بسبب تجدد النزاع الكردي. وقبل خمسة أشهر كان زعيم حزب «الشعوب الديموقراطي» صلاح الدين دميرطاش يخطب من على المنابر أمام الآلاف من أنصاره المتحمسين. لكن دميرطاش اكتفى أول من أمس (الأحد) ببرنامج سياسي بسيط، إذ شرب الشاي مع عمال فجراً في موقع ورشة وتناول الطعام مع طلاب ظهراً ثم ألقى خطاباً أمام مئات من أنصاره في قاعة مؤتمرات في إسطنبول. وقال الناشط أمين ارجين (67 سنة): «أنها فترة صعبة جداً لحزبنا، علينا مواجهة الحكومة و تنظيم (الدولة الاسلامية) داعش». وأضاف: «أنني كردي وعشت في ظل أنظمة ديكتاتورية. لكن للمرة الأولى في حياتي لا أشعر بالاطمئنان وأنا اتوجه إلى تجمع». وأثر الاعتداء الذي أسفر في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري في أنقرة عن مقتل 102 من أنصار اليسار والقضية الكردية خلال «مسيرة من أجل السلام»، على حملة حزب «الشعوب الديموقراطي» بعد الاعتداء الذي استهدف أحد تجمعاته في دياربكر في الخامس من حزيران (يونيو) الماضي. وألغى الحزب كل تجمعاته واستبدلها ب «لقاءات» في أماكن مغلقة يتم تفتيشها مسبقاً بواسطة كلاب بوليسية. ومنذ اعتداء أنقرة الذي يحمل بصمة المتطرفين يعد خطاب دميرطاش معتدلاً وبات يتهم الحكومة المحافظة بأنها تعمدت إهمال ضمان أمن تجمع أنقرة والرئيس رجب طيب أردوغان بأنه يحكم «دولة تمارس القتل». ويسود توتر شديد العلاقات بين النظام وحزب «الشعوب الديموقراطي» منذ الانتخابات التشريعية في السابع من حزيران (يونيو)الماضي. ومن خلال حصوله على 80 مقعداً في البرلمان و13 في المئة من الأصوات انهى حزب «الشعوب الديموقراطي» الهيمنة التامة ل حزب «العدالة والتنمية» على البرلمان منذ 13 عاماً. وأكد دميرطاش أول من أمس «أنه (أردوغان) يرى في السياسة سلطة شخصية. يرى نفسه زعيماً دينياً لخلافة». في المقابل يتهم أردوغان ورئيس الوزراء المنتهية ولايته أحمد داود أوغلو حزب «الشعوب الديموقراطي» ب «التواطؤ» مع «أولئك الذين هم في الجبال» حيث المقر العام لحزب «العمال الكردستاني». ومنذ اعتداء سوروتش (جنوب) الذي نسب للمتطرفين وأسفر عن مقتل 34 ناشطاً شاباً مؤيداً للقضية الكردية في نهاية تموز (يوليو)، استأنف «العمال الكردستاني» هجماته الدامية على قوات الجيش والشرطة رمز الدولة التي أهملت في رأيه ضمان أمن السكان الأكراد. وعلى رغم تأكيد دميرطاش أن حزب «الشعوب الديموقراطي» ليس «الواجهة السياسية» لحزب «العمال»، فإن تجدد النزاع الكردي الذي أوقع 40 ألف قتيل منذ العام 1984، أثر على موقعه. وأحرجه المتمردون أكثر بإعلانهم هدنة حتى الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لعدم «عرقلة» حملته. وأضاف دميرطاش «خونة الأمة، أعداء الأمة. اتلاحظون أنها (السلطات) لا تتحدث عنا أبداً بوصفنا من الخصوم السياسيين». وقال «دفعوا بتركيا إلى شفير حرب أهلية لدرجة أن الناس باتوا يكرهون بعضهم البعض». وقال كنان اوزترك (24 سنة) الذي يدعم حزب «الشعوب الديموقراطي» إنهم «يلطخون سمعته (الحزب) لأنهم يشعرون بالغيرة». وقالت من جهتها الناشطة رابية اكتورك (22 سنة) «أن السياسيين الآخرين لا يزالون يعيشون في الماضي أما صلاح الدين دميرطاش فأنه قريب منا». وعلى رغم الأجواء الصعبة، لا يزال حزب «الشعوب الديموقراطي» يأمل بتثبيت الاختراق الذي حققه في حزيران (يونيو)الماضي وحتى تحسين نتائجه. وتفيد استطلاعات الرأي أن لديه 12 إلى 14 في المئة من نوايا الأصوات. وبإيعاز من دميرطاش، وسع الحزب قاعدته ليذهب إلى أبعد من الدفاع عن الحكم الذاتي الكردي بحيث تحول إلى حزب يساري حديث يدافع عن «كل الأقليات» ويطرح نفسه «البديل الوحيد الحقيقي» من حزب «العدالة والتنمية». وإذا كان يأمل بتجاوز عتبة 100 نائب فإن دميرطاش، المحامي البالغ 42 سنة، لا يتوقع تشكيل «حكومة جديدة بديلة بعد الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل». وتدارك: «لكننا سنجتاز مرحلة جديدة ونقترب من هدفنا».