تتزايد المخاوف في الولاياتالمتحدة إزاء زيادة الحواجز التجارية في إطار ما يسمى «الحمائية الرقمية» وهدفها وقف توسع شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة على المستوى العالمي. وتعتبر الصين منذ فترة طويلة سوقاً صعبة للشركات الأميركية، لكن التوتر يتنامى مع الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعدما سُجلت دعاوى قضائية ضد شركات «غوغل» و«فايسبوك» وغيرهما في شأن مسائل متعلقة بحماية المعلومات الشخصية والمنافسة أو الضريبة على سبيل المثال. ففي بداية تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، حكم القضاء الأوروبي بعدم صلاحية نظام «سيف هاربور» (الملاذ الآمن) الذي يتيح منذ 15 عام للشركات الأميركية نقل معلومات عن المواطنين الأوروبيين إلى خوادمها في الولاياتالمتحدة. وتعقيباً على ذلك عبرت وزيرة التجارة الأميركية بيني بريتزكر عن خيبة أملها في ما اعتبرت أنه يخلق «عدم وضوح كبير للشركات والمستهلكين» في جانبي الأطلسي. ويسعى الاتحاد الأوروبي كذلك إلى بناء «سوق رقمية موحدة» داخل الحدود الأوروبية، ولكن المشروع يتضمن مقترحات تنظيمية لمنصات الإنترنت في ما يعتبره البعض هجوماً على الشركات الأميركية مثل «أمازون» أو قطاع «الاقتصاد المشترك» مثل «ايربي ان بي». وقال رئيس الجمعية الأميركية لقطاع التكنولوجيا إد بلاك «لم يضع أحد تعريفاً للمنصة الإلكترونية. يبدو الأمر وكأنه مقترح لتنظيم مشكلة غير موجودة (...) مع احتمال خلق صعوبات». وصرح نائب رئيس مؤسسة «تكنولوجيا المعلومات والابتكار» دانيال كاسترو، أنه يلمس وجود «موجات كامنة من الخوف» في أوروبا أمام شعبية الخدمات التي توفرها شركات أميركية كبيرة مثل «غوغل» و«فايسبوك». وهناك مصدر آخر للاحتكاك وهو تطبيق «الحق في النسيان»، الذي يتيح للأوروبيين طلب إزالة نتائج البحث المتعلقة بهم. وتعمل فرنسا على إرغام «غوغل» على تطبيق ذلك على المستوى العالمي، ولكن بعض الشركات الأميركية تعتبره نوعاً من الرقابة. ويقول كاسترو إن «فرض تشريعات ذات صبغة أوروبية في الولاياتالمتحدة لن يعود بالنفع لا على الولاياتالمتحدة ولا على أوروبا». وحتى الرئيس باراك أوباما أعرب عن قلقه في مقابلة في وقت سابق العام الحالي مع موقع «ري كود» المتخصص، رداً على سؤال حول التدابير المتخذة في أوروبا. وقال: «امتلكنا الإنترنت. شركاتنا هي التي أنشأته ووسعته وطورته (...) أحياناً ما يتم تقديمه باعتباره مواقف مبدئية نبيلة ليس الغرض منه سوى ضمان مكانة لبعض من مصالحهم التجارية». وتقول كاتي سومينين من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية البحثي الأميركي إن أوروبا تدرك أنها متأخرة و«تسعى إلى بناء اقتصادها الرقمي عبر عرقلة أنشطة الشركات الأجنبية على الأرض الأوروبية. بهذا المعنى هذه حمائية». لكن المفوض الأوروبي للفضاء الرقمي غونتر أوتنغر، رفض الاتهامات بالحمائية خلال زيارته الشهر الماضي لوادي التكنولوجيا «سيليكون فالي» بقوله إن «التشريعات التي نتخذها على المستوى الأوروبي تصلح للجميع، للمنتجين والفاعلين الأوروبيين وللفاعلين الآسيويين والفاعلين الأميركيين كذلك». وتواجه شركة «غوغل» بشكل خاص شكاوى عدة في أوروبا لا تزال قائمة منذ أعوام، ومن بينها تحقيق حول إساءة استغلال الموقع المهيمن. أمّا «فايسبوك» فيصطدم خصوصاً بالتشريعات الأوروبية لحماية الحياة الخاصة، إذ أمر القضاء الإرلندي أخيراً بالتحقيق في الطريقة التي يرسل بها معلومات خاصة عن مواطنين أوروبيين إلى الولاياتالمتحدة. ويشكل الخوف من أن تسمح شركات الإنترنت الأميركية، للاستخبارات الأميركية بالاطلاع على معلوماتها عنصراً مركزياً في الخلاف حول حماية الحياة الشخصية، عززه ما كشفه إدوارد سنودن المتعاون السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركية عن برنامج التجسس الأميركي على الاتصالات الإلكترونية. ويريد المشرعون الأميركيون تهدئة هذه المخاوف من خلال تبني قانون يتيح لغير الأميركيين ممارسة حقهم في حماية الحياة الشخصية أمام المحاكم الأميركية المعروف باسم «قانون حماية الحياة الخاصة» (برايفتي أكت). ويقول رئيس مجموعة الضغط «تك فريدوم» بيرين زوكا، إن هذا يمكن أن يساهم في «تحسين صورة أميركا المتضررة حول حماية المعلومات»، ويضيف أن فشل واشنطن في معالجة المشكلة «أثار أزمة دولية قد تدفع الأوروبيين إلى عرقلة عمل شركات الإنترنت الأميركية».