العنوان أعلاه ليس عنواني، بل هو اسم حملة انطلقت عبر أحد المواقع الالكترونية ووصلتني بالبريد الالكتروني. شعار الحملة هو: (Saudi Arabia is full.. go home ) السعودية مكتفية.. ارجعوا إلى بلادكم. وهو خطاب موجه إلى الوافدين الذين يعملون في السعودية، وربما كان المستهدف بشكل أكبر الوافدين غير العرب من خلال استخدام اللغة الإنكليزية للشعار. ثم تضع الحملة في مطلع خطابها العبارة المأساوية التالية: (ما أصعب أن يعيش الإنسان كالغريب في وطنه، وتهضم حقوقه كمواطن، حيث أصبحت للأجنبي امتيازات لا يحلم بها حتى في وطنه). وتختم بالرقم (8 مليون عامل أجنبي في السعودية). ثم يتحدث المنتدى عن أهداف الحملة هكذا: (لا نريد شعارات القصيبي أي غازي القصيبي وزير العمل السعودي بسعودة محلات الخضروات وسعودة الشغالات وسعودة الطباخين وسعودة محلات الذهب وحراس الأمن. نريد الوصول للقمة.. سعودة المناصب القيادية). هل نسي القائمون على الحملة أن الوصول إلى القمة يبدأ من القاعدة؟! أجزم أن عشرات من العاملين السعوديين يستحقون القمة وقد مُنعوا من الوصول إليها. لكني أجزم أيضاً أن آلافاً من العاطلين السعوديين يجب أن يبدأوا من القاعدة، لكنهم امتنعوا عنها. هناك عدم وضوح في الرؤية لدى القائمين على الحملة، فهم يريدون نصرة العامل السعودي وهذا هدف نبيل، لكنهم يزدرون العامل غير السعودي وهذا أسلوب غير نبيل. 2 تنطلق هذه الحملة من البلاد التي انطلقت منها الرسالة النبوية، محمولة بأيدي العربي محمد صلى الله عليه وسلم، ومساندة الحبشي بلال والرومي صهيب والفارسي سلمان. وتنطلق أيضاً في زمن يصبح فيه باراك حسين أوباما رئيساً لأميركا كلها، وليس لاحدى شركات الخضار أو مكاتب الاستقدام فحسب. تنطلق هذه الحملة بأهداف نبيلة.. ولكن بشعارات عنصرية أشبه ما تكون بشعارات النازيين الجدد، الذين يرفعون شعار روسيا للروس فقط، وألمانيا للألمان فقط، وهكذا في البلاد التي انتشرت فيها ظاهرة النازيين الجدد. فهل يُعقل أن تظهر شعارات نازية في بلاد الحرمين.. الرحم الحنون؟ مخجل أن نقول للناس: Go Home بعد أن ساعدونا في بناء (هومنا)، وما زال كثير منهم يواصل ذلك بكل كفاءة وإخلاص. وإن كانت هناك مؤسسة أو مؤسستان أو عشر أو عشرون مؤسسة تديرها وتهيمن عليها عصابة من الوافدين المتنفذين، العنصريين ضد توظيف الشباب السعودي، فهذا لا يبرر أن نقول لجميع الوافدين (ارجعوا إلى بلادكم)، بل ولا حتى يجدي أن نقول هذا للوافدين العنصريين لأن هؤلاء يقف خلفهم سعودي متستر انتهازي خائن لوطنه، هو المسؤول والمذنب والمستهدف المفترض لهذه الحملة. ولذا فقد أعجبني في أهداف الحملة أن تقوم بالتشهير بأسماء الشركات أو المؤسسات التي يتعرض فيها الشباب السعودي للتضييق العنصري أو التهميش أو التطفيش، فهذا التشهير من شأنه أن يخفف من هذه الممارسات، شرط أن تقوم المؤسسات الرقابية والحقوقية بدورها الردعي بعد التشهير. 3 وقبل أن تنطلق الشعارات العنصرية للحملة كان يجب من أصحابها التأكد من أن السعودية ( Full) حقاً كما ورد في الشعار، أي مليئة ومكتفية بما عندها من كفاءات وطنية. ثم السؤال الأهم: هل مطلب «الاكتفاء النقي» متوفر أو متحقق في أي بلد في العالم؟! بلغة الأرقام: تبلغ نسبة البطالة بين السعوديين قرابة 11%، بينما يوجد 8 ملايين عامل وافد. فلو تم ترحيل كل العاملين الوافدين إلى بلادهم، فمن سيغطي الاحتياج الفائض إذا تم توظيف العاطلين السعوديين ال11%؟! وفي إعلان صادر حديثاً أن نصف مليون عامل أجنبي عاطلون عن العمل في السعودية! هذا الخطر ينبغي أن يكون هو المستهدف الأول للحملة، استهداف العاطلين.. لا العاملين. يجب أن يدرك القائمون على الحملة أنه لم تمر طوال تاريخ البشرية بلاد حققت الازدهار بالاكتفاء «النقي» بأبنائها مهما كانت كفاءتهم. هناك هدفان نبيلان كان يجب أن تقوم عليها الحملة، لكنهما يتعارضان مع شعاراتها العنصرية: الأول أن الأولوية للسعودي إذا تساوى في الكفاءة مع غير السعودي، والثاني أننا بالكاد معنيون بالبطالة السعودية وحل مشكلاتها، فلا حاجة أن نزيد عبئنا بمشكلات البطالة غير السعودية، التي يجلبها الانتهازيون من أبناء الوطن العاقين. 4 أزيلوا هذا الشعار العنصري (السعودية للسعوديين فقط) من حملتكم. واجعلوا شعارها: السعودية للأكفاء فقط .. الأكفاء من السعوديين وغير السعوديين. * كاتب سعودي [email protected]