يعود تاريخ يوم «عاشوراء» إلى ما قبل الإسلام في الاحتفال به بأشكال عدة في مناطق عدة، يبرر فيها كل محتفل، سواءً أكان بالحزن أم الفرح، أسباب تمييزهم لهذا اليوم عبر التاريخ. بينما يذكر المؤرخون أن «اليهود» هم أول من اعتبر هذا اليوم يوماً ذا خصوصية لديهم في بداية عامهم، ويسمى «يوم كيپبور» أو «عيد الغفران»، هو اليوم العاشر من شهر «تشرين»، الشهر الأول في التقويم اليهودي، والسنة اليهودية غير ثابتة فقد تكون في تشرين الأول (أكتوبر) أو أيلول (سبتمبر)، وهو يوم مقدس عند اليهود مخصص للصلاة والصيام فقط. و«يوم كيپبور» هو اليوم المتمم لأيام التوبة العشرة، التي تبدأ بيومي رأس السنة، أو كما يطلق عليه بالعبرية «روش هاشناه»، وبحسب التراث اليهودي فإن هذا اليوم هو «الفرصة الأخيرة لتغيير المصير الشخصي أو مصير العالم في السنة الآتية». كما يسميه اليهود «يوم الغفران»، وهو اليوم الذي نزل فيه نبي الله موسى من سيناء للمرة الثانية، ومعه ألواح الشريعة، وهو يوم غفران خطيئتهم. و«يوم الغفران» هو العيد الذي يطلب فيه كل الشعب «الغفران من الإله»، وهذا اليوم الوحيد في السنة الذي يصومه اليهود، ومن هنا ظهر صيامه بحسب الشريعة الإسلامية. وأخذ يوم «عاشوراء» طابعاً آخر منذ مقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء، إذ وافق مقتله العاشر من محرم عام 61ه، وبدأ من يومها الصراع السياسي بين حزن وفرح. وظل هذا اليوم يأخذ الطابع السياسي، ففي مصر كان «عاشوراء» يوم حزن حين حكمها الفاطميون، وتتعطّل فيه الأسواق. وعندما قضى صلاح الدين الأيوبي على الفاطميين وأعاد مصر إلى الحكم السنّي اتخذ الأيّوبيون هذا اليوم يوم سرور وانبساط في المطاعم ويتخذون الأواني الجديدة، ويكتحلون، ويدخلون الحمام جرياً على عادة أهل الشام، التي سنها لهم الحجاج في أيام عبدالملك بن مروان، مخالفة للشيعة الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الإمام الحسين بن علي، وهناك حلوى مصريّة معروفة تسمى «حلاوة عاشورا» لا تزال تقدّم في هذه المناسبة باسم «طبق عاشوراء». وفي تونس، يتجمع الأطفال في الأزقة فيجمعون الحطب والأخشاب ويشعلون فيها النار، بعد أن يشكلوا دائرة حولها، وهم يرددون على إيقاع طبلة أو دف أو أي إناء «عاشورا، عاشورا». وفي البيوت يُذبح الدجاج ويُطبخ ليُقدم في الغداء. وإذا سألت أحدهم عن معنى «عاشورا»، فسيكتفي بالقول: «إنه عاشورا». أما في الجزائر والمغرب فيوزع البعض «هريسة عاشورا» على الفقراء والجيران، ولا يعلم أحد عن معنى «عاشورا»، سوى أنها مناسبة دينية كانت موضع اهتمام الأجداد. وفي لبنان، خصوصاً منطقة جبل عامل إبان الحكم العثماني، كانت الذكرى تعاش في جو من الضغط والخوف، وكانت تقام ولو بالشكل الشفوي الذي كان يقتصر على جلسات تروى خلالها سيرة الإمام الحسين وأهله في كربلاء. وفي كل بقاع الأرض يستشعر المسلمون برباط العقيدة مهما كانت فواصل الزمن، وكما صام اليهود يوم عاشوراء من شهر الله المحرم شكراً لله على النصر للمؤمنين، صامه المسلمون، ولا يزال المسلمون يتواصون بسنة محمد صلى الله عليه وسلم بصيام هذا اليوم، ويرجون بره وفضله على امتداد التاريخ الإسلامي العريق.