يتكرر الحديث في كل دورة لمعرض الرياض الدولي للكتاب عن الرقابة ومستوى هامش الحرية، إلاّ أن دورة المعرض هذا العام، والتي انتهت يوم الجمعة الماضي شهدت أحداثها تداولاً غير مسبوق من صحف وقنوات دولية، مثل ال«غارديان» البريطانية وال«وول ستريت» الأميركية وقنوات «بي بي سي» و«سي إن إن». فما حدث من مصادرة لدار الشبكة العربية للأبحاث بأكملها ولمصنفات مختلفة ومتباينة في طرحها، وأغربها سحب دواوين الشاعر محمود درويش، يطرح جدوى الرقابة في زمن المعلومات والتقنية، إذ ما يُمنع ينتشر بسرعة أكبر بين الجماهير. موضوع الرقابة على الكتب والإعلام والمصنَّفات الفنية ومصادرتها في المملكة أثار موجة من التذمر في شبكات التواصل الاجتماعي، بين المثقفين والزوار على حد سواء، وبحسب ما ذكره الناقد حسين بافقيه في صفحته ب«تويتر»، فإن الموضوع «يستحق كتاباً برأسه»، فيما اقترح الناقد سليمان السليماني على وزارة الثقافة في العام المقبل أن تكتفي بنشاط توقيع الإصدارات فقط، وتترك الكتب للمعارض الحقيقية. وأوضح الباحث عبدالله المالكي ل«الحياة»، أن ثمة فكرة أساسية «لا بد أن تكون واضحة ونحن نناقش مسألة الرقابة على الكتب ومصادرتها، وهي أن من حق الإنسان تناول المعلومة التي يعتقد بأهميتها وأن يختار المعرفة التي يعتقد بصلاحها، الرأي والمعلومة والفكر لا يحق لأي سلطة مصادرتها أو مراقبتها، إلا الرأي أو الفكر الذي يحرض - بصورة مباشرة ومعينة ومحددة - إلى العنف أو التحريض على ارتكابه». في حين قال الدكتور حسن النعمي، إن «القائمين على المعرض، ومن معرفتي القريبة بهم، أهدافهم إيجابية ويتطلعون لإرضاء الأذواق كافة على رغم استحالة ذلك. ثانياً ثمة جهات أخرى تعمل مع وزارة الثقافة والإعلام لها وجهة نظر تتداخل في عمل إدارة المعرض، وتؤدي بطبيعة الحال إلى تقاطع ونوع من الارتباك، لافتاً إلى أهمية اتباع دور النشر شروط المعرض الواضحة حتى لا تحدث لعبة عرض الكتب وسحبها الدرامية. وأوضح أن سحب بعض الكتب لا شكّ في أنه يشكل علامات استفهام كثيرة، لأنه يبدو لي أنه ليس صادراً عن قناعة منظمي المعرض تحديداً، إنما اختلاطها مع قناعات أخرى أدى إلى ذلك، في المقابل، هذا لا يعفي وزارة الثقافة من المسؤولية، كونها المشرف المباشر على إدارة المعرض من أن توضح الأمر، خصوصاً كتب محمود درويش التي عرضت في دورات سابقة ولم تحظ بهذا القدر من التعسف والسّحب. وقال النعمي: «في تصوري إن تجربة المعرض بدأت قوية ثمّ بدأت في التراجع نسبياً، خصوصاً في دور الرقابة. ولا أعتقد أن ظاهرة ثقافية تضاهيه على أكثر من مستوى، ليس فقط من ناحية عرض الكتب وبيعها، إنما لقاء المثقفين ببعضهم، والبرنامج المصاحب الذي يُعد هذه السنة أفضل من السابق، وبالتالي نعتبر هذا مكتسبات». وأشار الشاعر محمد السعدي إلى أن المعرض يبقى الفعاليّة الأبرز في عالمنا الثقافي، «وإن كان يقام سنوياً وفي مدينة واحدة لا غير، ولكن مما يعكّر صفو الحدث تلك المشاهد الخارجة عن قيم الثقافة، والتي تسيء لسمعة المعرض ومرتاديه». وأضاف: «ما يلفت الانتباه ممارسات التسويق لبعض الدور والتي تعطي فيها أرقام طبعات فلكيّة لكتّاب لم يعطوا الكثير للساحة الثقافية، وهذا في رأيي خيانة لمبادئ النشر، وحَرْف لمسار الثقافة إلى عوالم ضحلة وسطحية نحن في غنى عنها». لغة «المنع» لا علاقة لها ب«قنطرة» الحضارة قدم الناقد سامي جريدي ل«الحياة» الأخبار التي نشرت حول منع بعض الكتب في معرض الرياض، فيقول: «ورد في أخبار الصحف ومواقع التواصل الإلكتروني والإعلام التالي، سحب أعمال محمود درويش من معرض الرياض الدولي للكتاب. يُلاحظ هنا أن دواوين درويش لم تُمنع، وإنما سُحبت وهنا فرق كبير، لأن كلمة «منع» لم ترد كثيراً في بعض تلكم العناوين الصحافية، وهي مفردة ليست كمفردة «سحب»، فغاب «المنع» وحضرت كلمة «سحب»، ولعلهم يقصدون بهذه الأخيرة المنع وقمع القراءة. والعجيب في بعض تلك الأخبار الصحافية تداول كلمة أخرى مختلفة قليلاً على رغم قسوتها، وهي «مصادرة». ولهذا فإن الحقيقة اللغوية عند الصحافيين تبدو غائبة كلياً عن خطاب الكلمة، وهذا الأمر يتعلق بطبيعة ثقافة ووعي الصحافي نفسه، والتي اتسمت كثيراً بالضعف، فتشابهت عليهم المفردات بالأقوال والأقوال بالأقاويل، والكلمات بالكلمات، فالكلمات لمن يعي حقيقتها وثقافتها وخطابها لا تتشابه أبداً، فالمنع لا يشبه السحب ولا القمع ولا الحظر ولا المصادرة. وردت كلمة «سحب» في الصحف ومواقع الإعلام الآتية، على سبيل المثال لا الحصر: القبس الكويتية، القدس العربي، السي إن إن، العربية. وردت كلمة «منع» في الصحف الآتية، من باب المثال لا الحصر: الشرق الأوسط، الدستور. 3- وردت عبارات أخرى ككلمة «مصادرة» في الصحف الآتية من باب المثال لا الحصر: اليوم السابع، مصر اليوم. وهذه اللغة القمعية للكتاب كما ظهرت فوق ككل لا تمت بصلة إلى أي تطور ثقافي ومعرفي ولا إلى «قنطرة» الحضارة، تلك العبارة التي وضعها المعرض شعاراً له هذا العام».