أضحى السجال الذي يثار مع انطلاقة كل دورة جديدة لمعرض الرياض الدولي للكتاب، حول قضايا الرقابة وحرية الكتاب مروراً بمستوى البرنامج الثقافي وما تضمنه من ندوات وأسماء شاركت فيه، ملمحاً بارزاً في هذا المعرض الذي يترقبه الناشرون ومحبو الكتاب العام تلو الآخر. وبالتالي، فلا يمكن النظر إلى ما يثيره المعرض من مواضيع وإشكالات، وما تشهده أجنحة دور النشر المشاركة من منع كتاب أو سحب آخر، سواء من إدارة المعرض أو من محتسبين، بصفته شائبة يجدر بالمنظمين إزالتها، أو ظاهرة سلبية يمكن أن تنال من أهمية المعرض الذي يأتي في طليعة معارض الكتب الدولية، لناحية القوة الشرائية التي لا ينازعه فيها أي معرض آخر، الأمر الذي يعوض الناشرين العرب خسارتهم طوال عام. واللافت في أمر هذا المعرض أن حضور الرقابة بشدة أو تدخل محتسبين لمنع كتب بعينها، تحول مع الوقت إلى أمر أساسي، لا يخلو من إثارة، ينتظره المتابعون، ويشعل فيهم الحماسة للتعليق والإدلاء بآرائهم في مواقع التواصل الاجتماعي، حول قضايا تبدأ بالكتاب وحريته، إلى أخرى تمس عصب المجتمع نفسه، بل وأحياناً يدفعهم ذلك إلى زيارة المعرض، إذا لم يكن لشراء الكتب، فمن قبيل الفضول لمعرفة ما يحدث في أروقته وممراته، إلى أن بلغ الأمر ببعضهم أن اعتبر الدورة التي لا يرافقها ضجيج الرقابة ولا صخب المحتسبين ضعيفة ولا تدعو إلى الاهتمام. أشعلت الرقابة في هذه الدورة وهي التاسعة من عمر المعرض، منذ أن تسلمته وزارة الثقافة والإعلام من وزارة التعليم العالي، والتي عملت على تنظيمه لأعوام مضت، مواقع التواصل الاجتماعي، ليس بسبب سحب دواوين محمود درويش وبدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي، وجميعهم شعراء راحلون حضرت كتبهم خلال الأعوام السابقة، ولم يطاولها أي منع، إنما أيضاً بمصادرة جناح الشبكة العربية للأبحاث والنشر بكامله، وهي دار نشر سعودية تميزت بإصدار الكتب الفكرية، ورسخت لها حضوراً مميزاً في عالم النشر، وكان تبرير الجهة المنظمة أن الدار خالفت قوانين المعرض، وبذلك استحقت الإغلاق الفوري لجناحها. «عقاب» الناقد عبدالله الغذامي اعتبر مصادرة جناح الشبكة عقاباً جماعياً أنزلته إدارة المعرض بالزوار والمثقفين، وقال الغذامي إن قرار إغلاق الدار «لم يكن متوقعاً، ولا يتفق مع الجو التفاؤلي العام الذي أخذ يتشكل عن المعرض». في حين كتب خالد الدخيل في «تويتر»: «شعار معرض الرياض الكتاب قنطرة حضارة. ماذا تُسمَّى مصادرة إدارة المعرض جناحاً كاملاً في عتمة الليل بعد مغادرة الجميع؟». وأضاف قائلاً: «إن بعض المحتسبين كانوا يحتسبون ضد كتب معينة، وهذه المرة جاء الاحتساب من وزارة الثقافة ضد جناح كامل». انطلق المعرض برعاية خادم الحرمين الشريفين تحت شعار «الكتاب... قنطرة حضارة»، وسط حضور كبير في مركز المعارض الدولية. وشاركت في هذه الدورة 900 دار نشر من مختلف أنحاء العالم، بزيادة ملاحظة عن العام الفائت، عرضت آلاف العناوين الجديدة، وحلّت إسبانيا ضيف شرف لهذا العام. وفي حفلة الافتتاح اعتبر وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز خوجة الكتاب «عنوان المحبة والإخاء بين الأفراد والشعوب، وجسر العلم الذي تنضوي تحته إبداعات البشر»، فهو يؤلف بين البشر وبين معلومات وبلاد وثقافات». ولقي المترجم السوري صالح علماني حفاوة بالغة من قراء ترجماته، وحياه بعض الكتاب السعوديين بمقالات نشرت في الصحف، وعبارات مديح كتبوها في مواقع التواصل الاجتماعي، علاوة على المقابلات التي أجراها معه إعلاميون حول الترجمة والرواية والأدب الإسباني وترجمة الأعمال العربية إلى الإسبانية. صالح علماني شارك في ندوة حول الأدب العربي المترجم إلى الإسبانية إلى جانب لويس ميغيل. ومن المشاركين أيضاً الروائي السوداني أمير تاج السر الذي شارك في ندوة برفقة الكاتبة المصرية هويدا صالح، والناقد السعودي حسن النعمي، حول الرواية والمجتمع المدني. وكانت هناك ندوة تطرقت إلى كرة القدم الإسبانية بصفتها عملاً ثقافياً، وأخرى حول العلاقات السعودية - الإسبانية، فيما خصصت ندوة للأدب الإسباني المعاصر. وشارك بشار شبارو وكلاودوا ساندوس في ندوة تناولت علاقة المؤلف بالناشر، وكانت للإعلام الجديد حصته في البرنامج. وتضمن البرنامج الثقافي الذي استمر طوال أيام المعرض ثلاث فعاليات يومياً أكثر من 13 ندوة وأمسيات شعرية وورش عمل حول المكتبات الوطنية، وبناء مجتمع المعرفة وإثراء القراء، وكيف تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي، والحوار مع الآخر في المجتمع الافتراضي، والكتب العربية على المتاجر الإلكترونية، وكيف أكون قارئاً، وتقنيات كتابة السيناريو. وإلى جانب قاعة الندوات في مقر المعرض نفسه يوجد «الإيوان الثقافي» الذي يعقد ليلاً في فندق ماريوت، مقر إقامة الضيوف، وفيه ناقش الضيوف ومثقفون سعوديون مواضيع وقضايا متنوعة، وشهد جدلاً حول المكان المخصص للنساء، وعبّر مدير إدارة الأندية الأدبية سعود بن محمد عن امتعاضه مما وصفه ب «الغارات الجاهلة»، ويقصد بها المحتسبين الذين يطالبون بوجود حاجز أو ساتر يفصل بين النساء والرجال. ضآلة الإقبال على الندوات وكان الحضور ضئيلاً في الندوات، إذ لم تحظ بالدعاية اللازمة لبعد القاعة التي تعقد فيها الفعاليات عن صالات المعرض وممراته، على عكس ما يحصل في معارض أخرى، إذ تقام الندوات داخل المعرض نفسه، ويمكن الزائر أن يتوقف قليلاً في إحداها قبل أن يواصل تجواله. هذه الضآلة في الإقبال على البرنامج دفعت بعض الزوار إلى المطالبة بتقليص فقرات البرنامج أو إلغائه، والتركيز على المعرض بصفته سوقاً لبيع الكتب. ولئن لم تعلن إدارة المعرض الأرقام النهائية لحصيلة البيع والشراء كما في كل دورة، وعلى رغم أن توقعات الناشرين في نسب الإقبال كانت منخفضة، إلا أن الزوار الذين تخطى عددهم في الأيام الأولى مليون زائر، أنفقوا ملايين الريالات، وبالتالي فالمكاسب التي يجنيها أي ناشر تفوق ما يجنيه من ثلاثة معارض مجتمعة في القاهرة وبيروت والشارقة، كما عبّر أحد الناشرين اللبنانيين. الناشر حسن ياغي من «دار التنوير» تحدث عن الأوضاع السياسية في بعض البلدان، والأثر السلبي الذي تركته في أحوال الكتاب. وقال ياغي، الذي شاركت داره بقائمة جديدة من الإصدارات لقيت غالبيتها رواجاً مثل رواية «لا ملائكة ولا قديسون» و «ليل تشيلي» و «قوة الدين في المجال العام» و «نقد الترجمة العربية» و «دروس التفكيك» وغيرها، إن معظم الأسواق العربية ضعيفة أو مغلقة، «وحتى بعض أسواق منطقة الخليج أعادت تشديد الرقابة حتى بات بيع الكتب في مكتباتها صعباً، وتبقى السوق السعودية على رغم بطء أو صعوبة الحصول على الفسوحات السوق المهمة»، في حين عبّرت رنا إدريس من «دار الآداب» عن دهشتها من الإقبال، وقالت: «كانت الصورة النمطية لدي أن السعوديين يقتنون الكتاب لمجرد الشراء، لأنهم يستطيعون ذلك، ولكن ما حدث أنني مبهورة جداً، وأنا أجد نفسي أمام السعوديات يبحثن في الأسماء العالمية للأدب العربي والغربي». وأكد الكاتب فهد الشقيران من «دار مدارك» أن معرض الرياض في دورته الجديدة وضع حداً لكتب «الربيع العربي»، لافتاً إلى أن الإقبال انصبّ على الكتب الثقافية والمعرفية والأدب والرواية. أطلق المعرض أسماء المصورين الفوتوغرافيين على ممراته الداخلية تكريماً لهم، وهو تقليد يتّبعه كل عام، إذ يختار أسماء تنتمي إلى حقل إبداعي مختلف. وشهدت منصات التواقيع فوضى ملاحظة، واختلط فيها حابل الأسماء الأدبية المرموقة بنابل الطارئين على الكتابة والباحثين عن الشهرة بأية وسيلة كانت. وكان من الملاحظ استقطاب الأخيرين حضوراً لافتاً خلال توقيع كتبهم، على العكس منه كان الحضور لدى الكتاب المعروفين إذ كان هزيلاً، ولوحظ بعض هؤلاء الكتاب وهم يجلسون وقتاً ليس هيناً قبل أن يتكرم زائر ويطلب منهم التوقيع، باختصار كان الأمر مخجلاً، وشاع في المعرض ترويج بعض الكُتّاب لأنفسهم، وإلحاحهم عبر الوسائل كافة لحضور حفلات توقيع لمؤلفاتهم.