تمت مساء السبت إضاءة برج ايفل في باريس تضامناً مع السوريين الذين يعانون منذ ثلاثة أعوام نزاعاً دامياً خلف أكثر من 146 ألف قتيل ونحو تسعة ملايين نازح ولاجئ. وتجمع عصر السبت، المئات بينهم العديد من السوريين في ساحة تروكاديرو قبالة برج ايفل تلبية لدعوة منظمات غير حكومية. ثم أضيئت عبارة «مع السوريين» على برج ايفل. وقالت رئيسة فرع منظمة «العفو الدولية» في فرنسا جنفييف غاريغو ل «فرانس برس»: «نحن هنا بعد ثلاثة أعوام من بدء القمع ثم النزاع، للتعبير عن دعمنا للسوريين في بلادهم وللسوريين في بلادنا». وأضافت إن هذا التحرك يهدف أيضاً إلى «تذكير الحكومات بأن الأزمة مستمرة، وبأن الناس لا يزالون يموتون تحت القصف أو يقضون جوعاً، وبان عليها اتخاذ تدابير عاجلة لوقف هذا الرعب». وقال محمد طه منسق «لجنة دعم الثورة السورية» إن «فرنسا تربطها علاقات تاريخية بسورية، وهي تستطيع بذل جهد أكبر مما تبذله بلدان أخرى». ورفع كثر الأعلام السورية أو بالونات بيضاء مضاءة حملت عبارة «مع السوريين». وهتف بعضهم «الحرية والديموقراطية لسورية» و «أوقفوا المجازر في سورية». وشهد عشرون بلداً في العالم تحركات مماثلة مساء السبت في رسالة تضامن مع الشعب السوري. إلى ذلك، يقول يزن (21 سنة) الفار من سورية عبر مصر ثم أبو ظبي قبل الوصول إلى فرنسا حيث انضم إلى طلاب مثل أنس المتواجد في فرنسا منذ سبعة أشهر ومريم، إنه لن يعود إلى بلاده طالما لم يتغير الوضع وإنه يريد «النجاة بحياته». ويستفيد الثلاثة مع 22 شاباً آخرين من برنامج يسمح لهم بمواصلة دراساتهم بعيداً عن الحرب في سورية التي تدخل سنتها الرابعة. وحصلوا على منزل بفضل اتفاقية بين إقليم فال دو مارن وجامعة ايست كريتي ومنظمة فرانس تير دازيل وجمعية الديموقراطية والتضامن في سورية، بينما يتلقون مساعدة مالية من الجامعة التي يدرسون فيها. ووصل أنس (22 سنة) إلى فرنسا في آب (أغسطس) 2013، وهو مهندس زراعي كان دائماً يريد المجيء إلى باريس «لكن ليس في مثل هذه الظروف»، كما يقول، موضحاً أنه مع اندلاع الحرب «لم أستطع الذهاب إلى الجامعة» وبالتالي فان الحضور إلى فرنسا «كان أفضل وسيلة لمواصلة دراستي». من جانبه، غادر يزن الذي وصل إلى باريس مطلع آذار (مارس) الجاري، دمشق مع عائلته في تموز (يوليو) 2012 متوجهاً إلى القاهرة التي غادرها بعد بضعة أشهر. وقال: «من الصعب أن نكون ضد الحكومة لا سيما عندما يكون المرء سورية من أصل فلسطيني»، لافتاً إلى أنه ما إن حصل على تأشيرة فرنسا حتى هرع لشراء تذكرة الطائرة. من جانبها، كانت مريم على صلة بفرنسا، إذ كانت تدرس الأدب الفرنسي منذ ثلاث سنوات. ولم تكن الفتاة السمراء ذات الشعر الطويل التي وصلت الثلثاء إلى باريس، تستطيع التردد إلى جامعتها إلا مرة في الأسبوع لتحصل على نصوص المحاضرات بسبب «الحواجز والقصف. وكانت الأمور معقدة جداً». وتقول الفتاة وهي ابنة موظف، إنها «حققت حلمها» عندما وصلت إلى فرنسا وأضافت: «سأتمكن من البقاء على قيد الحياة والنجاح في المستقبل». ويبدي الطلاب الثلاثة تحفظاً كبيراً عن الحديث في شأن النزاع. ويروي الفلسطيني السوري الذي تحول إلى «هدف» إن 15 من أقاربه في السجن مؤكداً أن «معظم أصدقائي في الجيش السوري» قبل أن يوضح «الجيش السوري الحر». وفي معرض حديثه عن ضحايا الحرب يطغى الحزن على نظرته ويكتفي بالقول «قتل منهم أربعة». وقدم أنس من مدينته حمص «عاصمة الثورة» التي قال عنها إنها «فقدت ألوانها وأصبح كل شيء فيها أسود». وأضاف متنهداً بلغة فرنسية غير متقنة «آخر مرة رأيت فيها حمص كانت حزينة وكل شيء فيها مدمر، لم يبق فيها سكان ولا أسواق»، لافتاً إلى أن «حمص مؤلفة من 22 حياً، ولم تبق الحياة تدب سوى في أربعة منها». ويهمس الطالب في الزراعة بأنه ما زال يشعر بالخوف. لا يتصور الشبان مستقبلهم في سورية. وتعرب مريم وهي أصغر أبناء عائلة من ثلاثة أشقاء عن القلق على شقيقها المعتقل منذ سنة وتخاف على والديها اللاجئين في ضواحي دمشق. أما يزن فيقول إنه يشعر بأنه «حر وفي أمان، وسعيد» بكونه في باريس، ويعرب عن الأمل في زوال «الكابوس» في سورية ويعد بالعودة إليها قائلاً: «بعد خمس أو ست سنوات ستكون سورية حرة» و «سأعمل فيها على تطوير الاتصالات». أما أنس فقال إنه سيعود إلى سورية «ما أن تنتهي الدراسة حتى وإن كانت الحرب مستمرة». وأسفر النزاع في سورية عن سقوط أكثر من 146 ألف قتيل في حين لم تتضح بوادر حل للأزمة إذ إن الرئيس بشار الأسد متشبث بالحكم بينما تتراجع المعارضة المنقسمة. وقالت مريم: «نعم لا بد من أن يرحل بشار، لكن من أجل حل بديل حقيقي». وتجنباً لتسييس حديثها أضافت: «أريد أن يحب الشعب السوري نفسه».