في مناسبة اقتصادية سنوية عالمية تدخلت مسحة مكياج سياسية لمحاولة محو آثار جريمة، دماؤها واضحة للعيان على أيدي وأحذية مرتكبيها، مسح زعيم العصابة يديه، واشترى من أقرب محل أحذية وجوارب وبدلة جديدة، ونسي أن يقص شعره الثمانيني فجاءت الصورةُ معبرةً عن إهمال إجباري أملته ظروف وملابسات أحداث الجريمة التي استمرت ثلاثة وعشرين يوماً، ولأنه من يملك أحد خيوط لعبة حق الفيتو على المستوى الدولي، ليس داخل أروقة هيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن فقط، بل انتشر هذا الباطل الذي أريد به حقاً، إلى ميادين الاقتصاد والرياضة والفن وضروب الإعلام وتجارة القمح وحماية البيئة ورعاية الفقراء وبرامج التبشير، لأن له كل هذا، فليس صعباً أن يُغيّر من برنامج مؤتمر اقتصادي عالمي، فالفيروس الموسادي الإلكتروني موجود في أروقة المؤتمر حتى صوت «المايك» يعلو وينخفض ويصمت حسب إلتزام المتحدث بآداب وسلوكيات ومبادئ تأييد أو معاداة السامية، ويقابله في الاتجاه الآخر تأييد أو معاداة ما أسموه بالإرهاب الذي أذاب معه مصطلحات ومفاهيم حق الشعوب في المقاومة والدفاع عن الحقوق. هذان الغطاءان يخدمان استراتيجية واحدة وأهدافاً متعددة! فعندما انتفض رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وبدأ يصرخ بشهادة الحقيقة ضد تزوير الحقائق تَدَخّل الفيروس الموسادي فأخفض صوت «المايك» شيئاً فشيئاً حتى جعلوا من أردوغان وكأنه يحدث نفسه، ووصلوا إلى مبتغاهم عندما أوصلوه إلى مرحلة الغضب، فخرج من القاعة محتجاً على عدم تكافؤ الفرص، هنأ بعضهم بعضاً، وجاء في التقرير السري أنهم أخرجوه، ووزعت مكافآت القرصنة واستمر تنفيذ خطة المسح الضوئي والجيولوجي والبيئي، والطبي والعسكري والإنساني لآثار الجريمة العنصرية البغيضة في غزة الصامدة. وفي مؤتمر مناهضة العنصرية الذي تشرف عليه هيئة الأممالمتحدة، وعقد الأسبوع الماضي في مدينة جنيف بسويسرا، واجه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد موقفاً مشابهاً للموقف الذي واجهه الرئيس أردوغان، مع اختلاف المكان والظروف، وسأتجاوز سلبيات السياسة الإيرانية ومواقفها تجاه بعض الدول العربية، وسأَحْصر ما أريده على كلمة وموقف الرئيس الإيراني كحالة وأرجو ألا يُحَملني أحد وزر تجاوز إيران خطوط حمراء تمس في بعض مواقف الأمن القومي العربي، لأنني سأصف وسأكتفي بالمشهد داخل قاعة المؤتمر. كل شيء كان يسير على ما يرام، وفود الدول المشاركة أخذت أماكنها، والكلمات تتوالى ضمن إطار المقبول، والمقبول في عالمنا الحالي هو تغييب الحقيقة وعدم الجهر بالحق، أو كما يقول المثل العربي «ليس كل ما يُعرف يقال». وعندما امتطى الرئيس الإيراني صهوة المنبر كان التوجس خيفةً مِنْ تَجَاوُز «المَدْجَنة» موجود لدى منظمي مؤتمر «دوربان 2»، وبعد سماع صوته منطلقاً بإلقاء كلمته، ومن سطرها الأول، إذ بدأ يسرد قصة إنشاء الكيان الصهيوني، أصاب وجوه بعض الحاضرين الوجوم، وعندما بدأ يطالب بوضع حد لتجاوزات الصهاينة وأنصارهم ارتفعت حرارة القاعة، وبعد أن صدح بحقيقة عنصرية حكومة إسرائيل، وأنها تتبوأ موقعاً رائداً في العدوانية والاحتلال والإرهاب، وأن مجلس الأمن ساعد وأسهم في السكوت عن ممارسات الكيان الصهيوني وجرائمه، أغضبت الحقيقة ممثلي دول الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان والبيئة والحيوان، فخرجت وفود ثلاث وعشرين دولة أوروبية منسحبةً ومستاءةً وغاضبةً ومحتجةً ومنتقدةً قول الحقيقة، حتى الأممالمتحدة التي أصبحت منبراً تسجيلياً مدجناً بلاءات غطرسة القوي على الضعيف، وبال«لكن» التي لا تظهر إلا عندما تكون الحقوق عربية أو إسلامية، لم يعد مسموحاً للدول المقهورة والمظلومة والمحرومة والمشردة والمسلوبة الأرض والحقوق أن تُنِفَسْ عن معاناتها وتطرح ما أصابها من الظلم والبطش والتعسف والتشريد والحرمان إلا من خلال حالات، أو كما يسمونها مغامرات يقوم بها رؤساء «مرحلة» بين الحين والآخر. لم نكن نحن العرب بحاجة إلى الرئيس الإيراني - على رغم إنتمائه الإسلامي المعروف والآمال والتطلعات التي نحسب أنها مشتركة - كي يدافع عن قضيتنا العربية، ويُذَكّرنا بعنصرية وبشاعة وعدوانية عدونا الذي قتلنا واضطهدنا وعذبنا واحتل أرضنا، ولكن قول الحقيقة حُجب عن أصحابه طواعيةً فتولاه نيابة عنهم من دخل في معركة أو رحلة البحث عن المصالح، وأصبح لقضيتنا، مع شديد الأسف، مندوبان ساميان، المندوب السامي التركي، والمندوب السامي الإيراني، وسيكون التفاوض معهما أو من خلالهما، والتسوية ستُفرض على العرب طواعيةً أو كراهيةً عندما تعبر مصالح هاتين الدولتين نفق الخلافات وتنسجم مصالحهما وتطلعاتهما مع قوى النفوذ. سيبقى الشعب العربي مثل غيره من شعوب العالم التي قاومت ولا تزال تقاوم من أجل تحرير أرضها ونصرة قضاياها، ترحب وتقدر أي جهد اقليمي أو دولي يندرج ضمن هذا الإطار، ولكنه يرفض أن يكون دعم قضاياه مطية للعبور لتحقيق المصالح، وفي ظل عمق الخلافات العربية وتشرذم أهل القضية بدأنا نرى الأمور تُدفع بخفت الصوت العربي وتحجيم الصوت العربي، بل نحن نسير باتجاه القضاء على الصوت العربي، وظهرت مواقف، وبرزت شخصيات، وعلت أصوات تُشعر المجتمع الدولي باحتضان القضية العربية الأساسية وتضعها ضمن حساباتها للعبور إلى تحقيق مصالحها. نقف مشدوهين ونحن نسمع أصواتاً أعجمية لا نعرف معها أنحن معجبون أم مخدوعون بَقشّةِ مصالح نُصَابُ بعدها بخيبة أمل وندم وحزن بعد اقتسام كعكة السيطرة والنفوذ التي تصغر معها مساحة أرضنا العربية وتَصغر بجرائها أحلامنا وآمالنا؟ لقد ترك غياب صوت أبو عمار فراغاً كبيراً، وكنا نرى في كوفيته خريطة الاجماع الفلسطيني، حتى اللسان العربي القوي الأمين غائب أو مرفوض، واستقر «القلب» أقصى الاستطاعة وأضعف الإيمان مكان الأدوات الأقوى والأجدر، وأخشى أن تُمَزّقه حصون الفرقة والخلاف ويبقى وحيداً يطارد تقنيات الترجمة. * كاتب سعودي.