تتوالى الكتب التي تتناول الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. فثمة صحافيون وأكاديميون واقتصاديون ونقاد تناولوا ويتناولون كل حادثة رافقت بداية الأزمة في شارع المال الأميركي وول ستريت. ويبحث بعضهم في جانب معيّن، كانهيار مصرف الاستثمار العملاق "ليمان براذرز" الذي كشف وجود أزمة عميقة، أو في سيرة أحد اللاعبين الأساسيين في الأزمة، فيما يركّز البعض الآخر على جذور الأزمة، خصوصاً الإلغاء التدريجي لضوابط السوق منذ عهد الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، مروراً بعهد الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون، وانتهاءً بعهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن. لكن هذا الكتاب، "أكبر من أن تُترك لتنهار"، الذي وضعه المعلق في صحيفة "نيويورك تايمز" أندرو روس سوركين، هو من بين الكتب الأولى التي تتناول الأزمة العريضة التي وسمت عام 2008 بدءاً بموافقة مصرف الاستثمار "جاي بي مورغان تشايس" على شراء نظيره المتعثر "بير ستيرنز" وانتهاءً بالأيام القليلة التالية لقرار الحكومة الفيديرالية ضخ عشرات بلايين الدولارات في المصارف الكبرى في الولاياتالمتحدة. الكتاب شامل، وربما مرهق، فهو مؤلف من 600 صفحة. فيه مقابلات مع أكثر من 200 لاعب، ونتائج أكثر من 500 ساعة أمضاها الكاتب مع مسؤولين حكوميين وخبراء في وول ستريت. واطلع المؤلف أيضاً على رسائل إلكترونية شخصية ووثائق سرية، تشمل، مثلاً، كتاباً أرسله المدير التنفيذي ل "ليمان براذرز" ريتشارد فولد إلى رئيس فرع مجلس الاحتياط الفيديرالي (المصرف المركزي) في نيويورك، تخلى بموجبه عن وظيفته عضواً في مجلس إدارة الفرع قبل أيام من إشهار مصرف الاستثمار إفلاسه. يشعر القارئ أنه في خضم الأحداث المتسارعة على الصعيد المالي والاقتصادي عام 2008. فسوركين يستعيد محادثات حميمة ومناقشات على مستوى عالٍ. مثلاً، يصف الكاتب لقاء في تموز 2008 في قصر رئيس "مورغان ستانلي" جون ماك حاول خلاله فولد إثارة موضوع اندماج مصرف الاستثمار بمصرفه هو. وفور مغادرة فولد، تساءل ماك: "هل كان يحاول عرض اندماج معنا؟". واضح أن أي صفقة لم تُبرم ف "ليمان براذرز" انهار بعد أيام. ويضم العمل، الذي استوحى عنوانه من مقولة شهيرة تستدعي تدخل واشنطن لإنقاذ المؤسسات الكبيرة التي قد يضر انهيارها الاقتصاد الأميركي ككل، ما يجعل دافعي الضرائب يسددون ثمن أخطاء رجال أعمال مغامرين، روايات غير معروفة كثيراً، كسعي كثير من قادة وول ستريت إلى الوقوف على آراء المستثمر الأسطوري وارن بافيت في عز الأزمة. فثمة حوارات بين بافيت وفولد حول رسالة إلى وزير المال آنذاك هنري بولسون تطالب الحكومة الفيديرالية بشراء الأصول المسمومة للمصارف. وعلى رغم طول الكتاب، فهو مكتوب في لغة سهلة لا تستعصي على القارئ العادي. وهو يضم في خضم الرواية الرئيسة أخباراً طريفة عن اللاعبين المعنيين ما يخفف من وطأة القراءة. وفيما لا تضيف هذه الإضافات إلى الموضوع الأساسي، هي تجعل القصة حية وتجعل العمل جذاباً لجمهور أوسع من العاملين في وول ستريت.