أرجع الناقد محمد العباس إعجاب الشباب السعودي وتهافته على تشجيع فرق كرة القدم الأوروبية إلى مركبات النقص، لكنه أشار إلى أن تفشي ظاهرة العولمة «يعد سبباً مركزياً في ذلك». وقال إن مسألة تأثير هذا الإعجاب على الهوية «تحتاج إلى دراسة مستفيضة». وأكد في محاضرة عنوانها «المثقفون وجماليات خطاب كرة القدم»، نظمها «منبر الحوار» في نادي الرياض الأدبي، مساء السبت الماضي، وأدارها محمد الهويمل خلو الأعمال الروائية السعودية من أي مشهد يتناول كرة القدم أو شخصيات اللاعبين. واستعرض تداخل ما هو ثقافي بما هو رياضي، وعلى وجه التحديد «كرة القدم»، متنبئاً بأن المستقبل لخطاب كرة القدم، وأن المثقفين يسهمون في التعاطي معه بدليل ملصقات الاتحاد الدولي لكرة القدم الرسمية، والتي يديرها طابور من المثقفين والفنانين، مشجعة على انتقاء علامات دالّة على الجمالية الثقافية. وانتقى العباس من ورقته جملة من الآراء المتناقضة حول كرة القدم، لعدد كبير من المفكرين والمثقفين الغربيين، سواء من خلال كتبهم أو عبر مقولاتهم ولقاءاتهم الصحافية، والتي «تعكس حيرة المثقف أمام خطاب جمالي جماهيري يغويه بالتماس معه من ناحية، ويدفعه للترفع عنه والتعالي عليه من ناحية أخرى»، وحيث تراوح تلك العبارات ما بين القبول والتسليم والإعجاب، بل التماهي مع جماليات اللعبة وجماهيرتها، كما لدى المفكر الإيطالي غرامشي الذي تغنى بها ووصفها «مملكة الوفاء البشري التي تمارس في الهواء الطلق» أو إدواردو غاليانو مثلاً في كتابه الشهير «كرة القدم في الشمس والظل»، وإن أقر بجانبها المظلم المتمثل في تحولها الدراماتيكي إلى صناعة قابلة للتصدير، من خلال تكريس العبودية التي يدفع ثمنها لاعب محترف في مقابل مزيد من الشهرة والمال. وربطت ورقة العباس مقاربات المثقفين المفتونة بكرة القدم أو الكارهة لها في سرد متصل، فقال إن الكارهين عدّوها بأنها ليست سوى حالة استمرارية لفعل الحرب بوسائل أخرى، إذ ان المباراة هي موقعة والركلة هي القذيفة وخسارة المباراة هي هزيمة واللاعب رمح وسهم ملتهب أو مدفعجي، كما استشهد في السياق ذاته بقول غاليانو إنها صورة مجازية للحرب وبتقبّل بول اوستير لها كأمر إنساني واقع ووسيلة لتفريغ الشحنات الشعورية الفاسدة ضد الغير ودرس بليغ من دروس الألفية المنصرمة وفي رأي محمود درويش عنها بأنها «أشرف الحروب». وفي ختام المحاضرة، انقسمت المداخلات إلى رافضة لوجود علاقة جمالية ومؤكدة. واعتبر أحدهم أن خطاب كرة القدم أجوف، وهناك من أكد تقاطع الثقافي بالرياضي، إضافة إلى من عدّها مساحة للتنفيس من ضغوطات المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتعرضت مداخلات أخرى لحكايات وطرف حول تعاطي المثقفين معها، فيما نفت المداخلات النسائية –على ندرتها- وجود نقاط التقاء بين الرياضة والثقافة بشكل عام. وتساءلت إحداها عن السبب في تأنيث كرة القدم وهو ما لم ينفه العباس.