جدد رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام النداء إلى الدول المانحة لمضاعفة مساهماتِها المالية، وتقديمِ المساعدات المباشرة للمؤسسات الحكومية وللمجتمعات اللبنانية المضيفة، لمعالجة تداعيات أزمة اللجوء السوري في لبنان، رافعاً الصوت من على المنبر الدولي إلى «إبعاد لبنان عن الاستقطاب الإقليمي»، لأن «حمايةَ الكيان اللبناني هي حمايةٌ لأبرز ما تبقى من تجارب التعدديّة في الشرق». واعتبر سلام «أن تثبيت الاستقرار في لبنان، بما له من نتائج سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية، يستدعي من الأشقاء والأصدقاء مساعدة اللبنانيين على إنهاء حال الفراغ والشلل الحالية، وإعادة الانتظام الى عمل المؤسسات الدستورية، من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون مزيدٍ من التأخير». وكان اليوم الأخير من برنامج زيارة سلام الأممالمتحدة مزدحماً باللقاءات، لا سيما الاجتماع الوزاري المخصص للمجموعة الدولية لدعم لبنان، وإلقاء كلمة لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وسبق الاجتماع الوزاري لقاء ثنائي لسلام مع نظيره السويدي ستيفان لوفان ولقاء مع وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتانماير ثم لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في حضور وزير الخارجية جبران باسيل ومندوب لبنان لدى الاممالمتحدة السفير نواف سلام. مجموعة الدعم وخاطب سلام المجموعة الدولية المجتمعة لدعم لبنان، مذكراً بأنه اللقاء الخامس للبحث «عن سبل مساعدة بلدي في التصدي لتبعات الأزمة الخطيرة التي تعصف بالمنطقة، وخصوصاً النزاع القائم في سورية». وقال: «القرارات والخطوات التي ستتخذونها هذه المرة ترتدي أهميّة أكثر من أي قت مضى، بسبب التهديدات المتزايدة التي يواجهها لبنان وتتمثل باستمرار الشغور في رئاسة الجمهورية لأكثر من 16 شهراً، والوضع الأمني الداخلي الدقيق، فضلاً عن خطورة الوجود الإرهابي على حدودنا الشرقية». وأوضح أن الشغور الرئاسي «أنتج سلبيات متراكمة أدّت الى شلل شبه كامل لعمل السلطة التنفيذية وإلى تعطيل خطير للعمل التشريعي. كما سدّ كل السبل الممكنة للتصدي للأزمة بسبب تعطيل الآليات الدستورية التي تعتمد على دور الرئيس وصلاحياته». وقال: «يشهد بلدنا منذ أكثر من شهر تحركات احتجاجية يومية من أجل قضية محقّة لم نستطع معالجتها بسبب غياب التوافق السياسي. ونجحت القوى الأمنية حتى الآن في حماية حق المواطنين في التظاهر وتفادت اللجوء غير المبرّر للقوة من أجل حفظ النظام العام. لكن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالمسار المحتمل للأحداث في ضوء التدهور المتسارع للوضع الاقتصادي»، مؤكداً «أن الجيش اللبناني يتحمل مسؤوليته كاملة في مواجهة التهديد الخطير الذي يمثّله المقاتلون المتطرفون. وتمكنّا، بفضل دعم بعض الدول الممثّلة في هذا الاجتماع، من تعزيز قدراتنا للدفاع عن أرضنا وحماية سيادتنا. لكن السؤال يبقى مطروحاً عن حجم محاولات الاعتداء التي سيكون على الجيش التصدي لها في حال حصول مزيد من التدهور للوضع السوري». وحض سلام «جميع من ساعدوا الجيش، على مواصلة دعمهم الضروري هذا بالوتيرة ذاتها»، كما دعا «جميع القادرين على مدّ يد العون، إلى الوقوف بجانبنا، لأن ساعة مواجهة التطرف حانت ولأننا على الخط الأمامي للمواجهة»، ودعا «جميع القادرين على التأثير الإيجابي للدفع في اتجاه انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية بطريقة ديموقراطية»، معتبراً أنه آن الأوان لوضع الخلافات جانباً للتحدث إلى الأصدقاء وإلى الخصوم، ولفصل الانتخابات الرئاسية عن كل القضايا الأخرى العالقة في المنطقة، ولإدراك أن استخدام لبنان كأداة في تصفية الحسابات الإقليمية سيؤدي إلى تدمير واحة الاعتدال والتعايش والحرية هذه، التي يجب أن تبقى نموذجاً ورسالة في وجه التطرف والعنف. وتحدث خلال الاجتماع الوزاري بان ووزراء خارجية فرنسا والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وألمانيا والصين وإيطاليا والاتحاد الأوروبي. منبر الأممالمتحدة واستهل سلام كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتحية بقوله: «في الذكرى السبعين لتأسيس هيئة الأممالمتحدة، التي كان لبلدي شرفُ المساهمة في وضع ميثاقها، أؤكد التزام لبنان القيام بدوره كاملاً، كعضوٍ فاعلٍ في الأسرة الدولية لتحقيق المقاصدِ النبيلة التي أجمَعَتْ عليها الأمم، وفي مقدَّمِها حفظُ الأمن والسلم الدوليين، وحقُ الشعوب في تقرير مصيرها، واحترامُ حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع البشر». وقال: «نتحدّث عن الحقوق الأساسيّة للبشر، وفي بلادنا يضيقُ هذا المفهوم يوماً بعد يوم تحت وطأة الحروب. وينحسِرُ أمام زحف الفكر الظلاميّ المُتستّر برداءٍ دينيّ ويزول أمام همجية الاستيطان الذي تمارسُه دولةُ إسرائيل، محاوِلةً التغطّي بثوب ديموقراطي عصري». وأضاف قائلاً: «أمام عيون العالم أجمع، تتفتَّتُ الأوطان في منطقتنا ويَترُكُ الملايينُ بيوتَهم نحو المجهول. هذا «إيلان» الطفل ابن الأعوام الثلاثة الذي شاهده العالم في مطلع هذا الشهر مستغرقاً في نومه الأبدي بعدما لفَظَه البحر، يختصر ما آلت إليه الحقوقُ الأساسيّة للبشر في منطقتنا. صورتُه هي حكاية شعبٍ معذّب، هائمٍ في البحار، مكدّس على أرصفة المدن وفي محطاتِ القطارات، في انتظار إذنٍ أو تأشيرةٍ أو وجبة طعام. إنّها حكاية خرجت من إي إطار سياسي وعسكري وقانوني لتصبح سؤالاً كبيراً يتعلق بحاضر الإنسانية ومستقبلها». وزاد سلام: «تابَعنا الجهودَ التي بذلتْها دولٌ أوروبية لاستيعاب أعدادٍ إضافيةٍ من اللاجئين على أراضيها، وهي جهودٌ تستمدُّ جذورَها من إرثٍ ثقافيٍ وحضاري، وتجاربَ مريرة في الحروب وويلاتها. لكننا نرى، أنّ الحلّ الأفضل للمشكلة والأقل كلفة على سورية والدول المجاورة والعالم، هو الذهاب مباشرة نحو المأساة ومعالجتها من أصلها». وجدد دعوة لبنان الأسرة الدولية، وخصوصاً جميع القوى المؤثّرة في العالم، إلى «الخروج من حال الانتظار أو التردّد، وإلى وقف التقاتل بالدم السوري وعلى الأرض السورية، والمسارعة إلى وقف المذبحة الدائرة هناك، عبر إرساء حلّ سياسي يضمن وحدة البلاد واستقلالها وسلامة أراضيها ويلبّي تطلعات الشعب السوريّ إلى حياة حرة كريمة». وقال سلام: «نُطلِق هذا النداء، ليس فقط بسبب روابط الجوار والقرابة والتاريخ والمصالح المشتركة بيننا وبين الشعب السوري الشقيق، بل لأنّ في إنهاء الأزمة السورية أيضاً، مصلحةً أكيدةً للبنان الرازح تحت العبء الهائل للنزوح، الذي وصفتْهُ الأممالمتحدة نفسها بأنه «كارثة وطنيّة». ولفت سلام إلى أنه «إذا كانت أوروبا، بإمكاناتها الهائلة ورحابتها الإنسانية ارتَبَكَتْ أمام آلاف النازحين الذين حلّوا في مدنها على حين غَرَّة، فإن لبنان الضيّق المساحة والقليل القدرات، يستضيف منذ أربع سنوات مليوناً ونصف مليون نازح سوري، أي ما يقاربُ ثُلُثَ عدد سكانه»، وقال: «استُنزِفت البنى الحكومية والمجتمعات المضيفة في لبنان إلى أقصى الحدود، في وقت تتراجع المساعدات الدولية باطراد بسبب ما نسمعه عن «تعب المانحين». وشدد على تمسك لبنان «بالتزاماته الدوليّة»، مكرراً «النداء إلى الدول المانحة للوفاء بتعهداتها، لا بَلْ إلى مضاعفة مساهماتِها المالية، وتقديمِ المساعدات المباشرة للمؤسسات الحكومية وللمجتمعات اللبنانية المضيفة، وذلك طبقاً لخطة الاستجابة التي أطلقها لبنان بالتعاون مع الأممالمتحدة في كانون الأول الماضي». وقال: «نشدّد على مبدأ المسؤولية المشتركة وتقاسم الأعباء بين الدول، وعلى أهمية إقامة أماكن آمنة أو مناطق عازلة للاجئين في سورية أو مراكز تجمع لهم على الحدود». ولفت سلام إلى أن «مشكلة النازحين هي وجه واحد فقط من التداعيات السلبية العديدة التي تلقّاها لبنان جراء الحرب الدائرة في جواره. ولعلّ أخطرَ التداعيات كان الإرهاب الذي دفعنا أثماناً كبيرة في التصدّي له». وخاطب العالم قائلاً: «نجحنا بقرارٍ سياسيٍ حاسم وعمل أمنيّ فاعل، في التصدي لهذه الآفة. وأثبت شعبُنا للعالم أنّ لبنان ليس بيئة حاضنة للإرهاب الذي يعبَث بعدد من دول منطقتنا. إنّ المسؤوليات المتزايدة الملقاة على عاتق جيشنا وقوانا الأمنية في المعركة مع الإرهاب، زادَتْنا إصراراً على تعزيز هذه القوات، كونَها الركيزةَ الأساسية للأمن والاستقرار والسلم الأهلي في البلاد. ولبنان يجدّد التزامه محاربة الإرهاب بمختلف أشكاله، ويشدّد على ضرورة معالجة جذوره، ويؤكّد استعداده لأي تعاون في إطار الجهود الدولية التي يقوم بها مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب واجتثاث مصادر تمويله». التزام سياسة حسن الجوار وقال سلام: «تابعنا باهتمام كبير الاتفاقَ الأخير بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا. ونأمل في أن يفتحَ هذا التطوّرُ صفحةً جديدة في العلاقات الدولية، ويشكلَ بدايةً لتحسين المناخات الإقليمية، بما ينعكس إيجاباً على أوضاعنا السياسية في لبنان. ونعتبر أنّ الشرط الأساس لقيام علاقات طبيعية وناجحة بين بلدان المنطقة ومفيدة لشعوبها، هو التزامُ سياسة حسن الجوار واحترامُ سيادة الدول وعدمُ التدخُّلِ في شؤونها الداخلية أو التلاعُبِ بأمنها واستقرارها. التزام 1701 واكد سلام التزام لبنان القرار الدولي 1701 في الذكرى التاسعة لصدوره عن مجلس الأمن، «إيماناً منه بأن ذلك سيثبّت قواعد الاستقرار والأمن في الجنوب اللبناني ويساهم في بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها». وقال: «لبنان يكرّر مطالبتَه المجتمع الدولي بإلزام إسرائيل وقفَ خروقها للسيادة اللبنانية والتعاونَ مع قوات «يونيفيل»، التي نشكُرُ قائدَها وعناصرَها وكلَّ الدول المشاركة فيها لترسيم ما تبقى من الخط الأزرق والانسحاب الفوري من منطقة شمال الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا». وجدد إدانة لبنان ل «استمرار إسرائيل احتلال الأرض الفلسطينية وحصارها قطاع غزة، ونطالب الأسرة الدولية بحَمْلِها على رفع هذا الحصار اللاإنساني، وتأمينِ الظروفِ الملائمةِ لعيشٍ كريمٍ للفلسطينيين». واستنكر الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على المسجد الأقصى وحذر من تبعاتِها الخطيرة. كما حَمّل إسرائيل مسؤولية فشل الجهود لإيجاد تسوية سلمية للصراع على أساس حلّ الدولتين، ودعا مجلس الأمن إلى إصدار قرار لمعاودة المفاوضات، بهدف إنهاء الاحتلال في إطار زمني محدد، على أساس القرارين 242 و338 ومرجعيات مدريد للسلام ومبادرة السلام العربية . وجدد الموقف القائل إن «لبنان إذ يرفضُ توطين اللاجئين على أراضيه، يشدّد على حق الفلسطينيين في العودة الى ديارهم، وفق القرارات الدولية». أزمات المنطقة وتوقف سلام عند ما «يعصف بشرقنا من الأزمات ويستحكم فيه من عِلل خطيرة آن الأوان لكي يستنفِرَ العالمُ قواه وينصرفَ الى معالجتها بجدّية، بدلاً من التجاهل والهرب من المسؤولية. ليس فقط لأن شرقَنا مهدُ الرسالات السماوية التي بها تؤمنون ومنبعُ الحرف الأول الذي به تقرأون، بل لأن واجبَكم الإنساني يحتّم عليكم ذلك، ولأن مصلحتَكم الأكيدة تقضي باحتواء الانفجار ومنع شظاياه من الوصول الى بيوتكم». وطالب دول العالم ب «العودة عن استقالتها من المسؤولية، والخوضِ في مسار إعادة الأمن والاستقرار إلى منطقتنا، بما يضمن للشعوب حقَّها في غد أفضل. مدّوا أيديكم، لوقف عدّاد الموت في سورية والعراق وليبيا واليمن وفي أرض السلام فلسطين، مدّوا أيديكم لإعادة الألق إلى درّة مشرقية اسمها لبنان. وليكون لأطفالنا -كما لأطفالكم- حقُّ الإبحار في أحلامهم المشروعة، بدل الإبحار في زوارق الذل والموت على شواطئ غريبة». نشاط باسيل وكان الوزير باسيل اعتبر أنه يمكن إيجاد مناطق آمنة للنازحين السوريين داخل سورية، مذكّراً بأن «التوطين واللجوء ممنوعان دستورياً في لبنان». وجدد شرح تداعيات أزمة اللجوء السوري على لبنان، وذلك خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي والأردن ولبنان حول الأزمة السورية في الأممالمتحدة، داعياً «الى مقاربة جديدة قائمة على حل سياسي لما يريده السوريون، والحفاظ على النسيج الاجتماعي للدول، خصوصاً في لبنان القائم على التوازن الدقيق». والتقى باسيل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لمراقبة تنفيذ القرار 1559 تيري رود لارسن، الذي قال: «ركزنا على مسألة النازحين، وارتداداتها على المؤسسات اللبنانية والمرافق الحيوية». وأكد «ضرورة أن يكون لبنان عبر حكومته في حوار مستمر مع الدول المانحة من أجل الإيفاء بوعودها في تقديم المساعدات المالية». واعتبر أن موضوع الشغور الرئاسي «شأن لبناني داخلي ويجب أن تحل هذه المشكلة. وأؤكد أن المجتمع الدولي مستمر في تشجيع القيادات اللبنانية على انتخاب رئيس جديد للبنان». والتقى باسيل في مقر الأممالمتحدة رئيس المحكمة الجنائية الدولية وزير خارجية السنغال الصديقي كابا، الذي شدد على أهمية «أن ينضم لبنان إلى هذه المحكمة بسبب طابعها الكوني ومساهمتها في منع الإرهاب الدولي من أن يتخذ من لبنان ساحة له». وعقد باسيل اجتماعات ثنائية مع نظرائه وزراء الخارجية العماني يوسف بن علوي، واليوناني نيكوس كوتسياس، والقبرصي لوانيس كاسوليدس والفنلندي تيمو سويني.