واجه محمد العثيم أمراً جديداً من نوعه في كتابة الغناء مسرحياً، إذ لم يكن بالأمر السهل إدخال الشعر النجدي إلى أب الفنون، ولم يكن ليحدث بين يوم وليلة، كما ذكر في مقدمة كتابه «الغناء النجدي.. تجربة الأغنية للمسرح وتطبيقاتها» الصادر حديثاً عن دار طوى. وجاءت بداية هذا المشوار من شرارة قديمة انطلقت من حوار بينه وبين صديقه الكاتب محمد الرطيان، الذي أشار إليه بفكرة إعداد عمل مسرحي يحوي الموروث الغنائي، فقدم بعض المحاولات لعرضه «أوبريتياً»، ومن تلك المحاولات مسرحية «سوق قبة رشيد» في إحدى دورات مهرجان «الجنادرية». وعدّد مراحل تنفيذ العمل بداية بتأليف المسرحيات وإقامة منحنياتها وصورها، ثم كتابة الأغاني النجدية التي تتواءم معها وتضفي إليها طابعاً فريداً، مستعيناً بذاكرته في ذلك وبما يحفل به الوجدان من اللهجة النجدية والتراث الشعبي. ويؤكد العثيم أن «سوق قبة رشيد» هو الخطوة الأولى، كونه جاء عملاً بسيطاً، متوجساً ربما ومتلمساً خشبة المسرح بحذر، إذ كانت المرة الأولى التي يختبر فيها أثر الشعر المغنى في المسرح، وكان هذا في عام 1989، وقام بإخراج العمل المخرج العراقي سمعان العاني، وبعد عرض العمل أدرك العثيم أنه اكتشف كنزاً كبيراً من كنوز الفن الجميل، وأُعجب الناس به وتفاعلوا معه أكثر من أية مسرحية أخرى، لأنها كانت مسرحية مغناة وخرجت بلهجة قريبة للحضور. ومن هناك، بدأ المؤلف بالتساؤل: ما العمل المقبل؟ واصفاً تجربته بالمميزة والصعبة، حتى إن الكثير من الشعراء حاولوا تكرارها، لكنهم لم يفلحوا، لأنهم شعراء - بحسب الكتاب -. ويضيف: «إنهم شعراء وليسوا مسرحيين، ويفتقرون إلى أبسط أبجديات المسرح». وأدرك العثيم أنه على رغم جمالية التجربة الأولى إلا أنها تظل ضعيفة، بسبب ضعف الإمكانات أساساً والثيمة الدرامية، وكان بحاجة إلى عمل آخر يكبر فيه هذا الفن على نحو أبهى وأكمل. ثم أتى العمل الثاني بعنوان: «السهل والجبل» عبارة عن مسرحية اجتماعية ناضجة، لكنها أتت من خبرة واسعة، فكانت ناضجة في إتقان الثيمات وتقنية الكتابة الغنائية، التي لم تتقيد بالشعر النجدي فقط، بل كانت كتابة مرتبطة بكل صنوف التراث الغنائي الحضري والبدوي. وهو بذلك طوّر من نفسه، وكان يحصل على تقدم ونمو لافتين يرضيانه في تجاربه كل مرة، فدرس الشعر والغناء البدوي واجتهد في تقليده، ثم قدم مسرحية «ديان عفراء» وأوبريت «النخلة» الذي عُرض على التلفزيون آنذاك. باختصار، إن هذا الكتاب موجه إلى من أراد الاطلاع على هذا المشروع الذي بدأه العثيم من أعوام، وإلى من أراد استكمال المسيرة. وتضمّن الكتاب ثلاث مسرحيات وأغاني مطورة بأساليب تراثية، حتى تعدت مجال السمعي لتكون أغاني بصرية وسمعية. * قاصة سعودية.