عندي أسباب كثيرة للقلق من السياسة الإيرانية، بدءاً بدورها في العراق الذي يغذي النعرات الدينية، وبعده أطماعها، لا طموحاتها، في الخليج واستمرار احتلالها جزر الإمارات، ودعمها نشاطات تخريبية في دول عربية بعيدة، وتحولها الى دكتاتورية عسكرية بعد أن بقي النظام منذ 1979 يحظى بتأييد شعبي يعطيه شرعية الحكم. غير أن العناوين السابقة لأسباب القلق لا تشمل البرنامج النووي الإيراني الذي تزعم حكومة محمود أحمدي نجاد أنه سلمي، وأتمنى أن تكون تكذب، وأن البرنامج عسكري، بل ان ايران تملك من القنابل النووية قدر ما تملك اسرائيل أو ضعفي ذلك. لست هنا في وارد أن أجامل أحداً وأسأل الدول العربية القلقة الآن من البرنامج النووي الإيراني لماذا لم تقلق على امتداد عقود من برنامج اسرائيل النووي، ومن ملكيتها ترسانة نووية، وكيف تفسّر أن يحفزها البرنامج الإيراني الى طلب برامج مماثلة، وهي التي لم تشعر بالحاجة الى مثل هذه البرامج لمواجهة اسرائيل. الدول العربية كلها مطالبة بأن تدخل العصر النووي، وإذا كانت دولة صغيرة مثل الإمارات العربية المتحدة وضعت نفسها على الطريق فإن الدول العربية الكبيرة يجب أن تسعى الى امتلاك قدرة نووية، حتى لو كانت دولاً نفطية لأن النفط لن يدوم، ويجب طلب بدائل له. وأريد قبل أن أكمل أن أسجل أن ايران متهمة في الغرب بتأييد «الإرهاب»، وما يعنيني من الموضوع حماس وحزب الله، فهما حركتا تحرر وطني في وجه الإرهاب الإسرائيلي، ففي الشرق الأوسط هناك ارهاب واحد أطلق كل ارهاب آخر هو اسرائيل وسياسة الاحتلال المجرمة. ما قلت حتى الآن هو أن أسباب قلقي من السياسة الإيرانية كثيرة إلا انها لا تشمل برنامجها النووي أو دعمها المناضلين من أجل الحرية، غير أن هذين السببين هما وراء حملة اسرائيل واللوبي اليهودي والمحافظين الجدد الليكوديين لفرض عقوبات وحصار على ايران حتى توقف برنامجها، أو توجيه ضربة عسكرية قاصمة إذا لم تفعل. أنصار إسرائيل المعروفون جميعاً يحرضون على ايران، وكانوا أيدوا كل حرب أميركية أو اسرائيلية في السابق على العرب والمسلمين، وهم من الوقاحة أن يطالبوا بحرب على الشبهة فيما اسرائيل تملك ترسانة نووية وحكومتها فاشستية متطرفة تستعمل القوة العسكرية كل يوم ضد النساء والأطفال. والوقاحة وحدها تفسر ان يطلب ريول مارك غيريشت ومارك دوبوفيتز فرض عقوبات على ايران باسم الشعب الإيراني، أي تجويع الشعب الإيراني ومحاصرته ثم الزعم أن هذا يفيده. وهما طلبا تحديداً منع ايران من استيراد البنزين، فهي تستورد 40 في المئة من استهلاكها منه، ولا أدري كيف يستفيد الإيرانيون إذا مشوا، إلاّ إذا اعتبر ذلك رياضة. غيريشت ودوبوفيتز من الليكوديين أعداء العرب والمسلمين، ومثلهم المتطرف دانيال بايبس فهو أيضاً يطالب بمهاجمة ايران. غير أن أفضل حجة لي ضد الضربة هي أن ساره بيلين، المتخلفة سياسياً والجاهلة المحدودة عقلياً، اقترحت أن يشن الرئيس باراك أوباما حرباً على ايران ليسترد شعبيته. الحروب لا تشن على الشبهة، وما أطلق الحملة الليكودية الأخيرة والمطالبة بعقوبات أو حرب هو قول يوكيا امانو، المدير الياباني لوكالة الطاقة الذرية الدولية ان الوكالة «قلقة» من احتمال أن تكون ايران ماضية في نشاطاتها النووية غير المعلنة، وهو يريد بالتالي ايضاحات. اعلان الحرب يحتاج الى يقين لا مجرد قلق، وفي أهمية الحديث عن الحرب أن نسمع طرحاً موازياً لنتائجها. الغارات الجوية على المنشآت النووية الإيرانية ستظل محدودة النتائج، وهذا رأي وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الذي قال انها قد تؤخر البرنامج الإيراني سنوات إلاّ أنها لن تقضي عليه. بما أن موقع كل المنشآت النووية الإيرانية غير معروف، فإن نجاح الضربة سيكون جزئياً، إلاّ أنه سيؤدي حتماً الى ارتفاع أسعار النفط، ما يعرقل جهود حل الأزمة المالية العالمية، وإلى التفاف الإيرانيين حول حكومة نصفهم على الأقل يعارضها الآن، والى دخول اسرائيل في مواجهات عسكرية جانبية مع حلفاء ايران مثل حزب الله وحماس، وإلى اتهام الولاياتالمتحدة، حتى لو كانت اسرائيل وراء الضربة العسكرية، بأنها تخوض حرباً رابعة أو خامسة ضد المسلمين. لا أدري أيهما أكثر مدعاة للقلق، السياسة الإيرانية الهوجاء المتطرفة، أو السياسة الأكثر تطرفاً للذين يطالبون بعقوبات جديدة على ايران أو حرب، ما يفاقم الأزمة بدل أن يحلها. [email protected]