أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تعيين المحامي الأميركي المسلم من أصل هندي، رشاد حسين، مبعوثاً خاصاً له لدى منظمة المؤتمر الإسلامي. وجاء في كلمة مسجلة على شريط فيديو بعث بها إلى ندوة «منتدى أميركا والعالم الإسلامي» التي عقدت أخيراً في الدوحة قوله: «أنا فخور بالإعلان اليوم عن تعيين رشاد حسين مبعوثاً خاصاً لي لدى منظم``ة المؤتمر الإسلامي». وأكد «التزامه الشخصي ببناء شراكات فاعلة بين أميركا والعالم الإسلامي نحو حياة يسودها الأمل لمستقبل أفضل لأبنائنا والتعاون بدلاً من الصراع». وقال أيضاً: «أمامنا الكثير لنفعله، لكننا وضعنا الأسسَ لنحول الأقوال إلى أفعال». وأكد «أن التعليم والمعرفة هما العملة المتداولة في القرن الواحد والعشرين، وأن الحوار يسير قدماً لتحقيق الأهداف المتوخاة من كل ذلك». ويمكن القول إن هذا القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي، يعد خطوة عملية للسياسة التي أعلن عنها في خطابه الشهير الذي وجّهه إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة يوم 4 حزيران (يونيو) الماضي، وقبل ذلك في خطابه الذي ألقاه في اسطنبول يوم 7 نيسان (أبريل) الماضي عند زيارته لتركيا التي تعد أول زيارة له لبلد إسلامي. فهل سيتطور هذا الوضع لتصبح الولاياتالمتحدة الأميركية عضواً مراقباً في منظمة المؤتمر الإسلامي، مثلها مثل جمهورية روسيا الاتحادية التي هي عضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي وفي الإيسيسكو أيضاً؟ وفقاً للمادة الرابعة من الفصل الأول لميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، فإنه «تمنح صفة المراقب لدولة عضو في الأممالمتحدة، بقرار من مجلس وزراء الخارجية بتوافق الآراء فقط، وعلى أساس المعايير المتفق عليها». وإذا تقدمت الولاياتالمتحدة الأميركية بطلب الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي بصفة مراقب، فإنها ستكون مدعوة إلى الاهتمام بالأهداف التي تعمل لها هذه المنظمة، ومن ضمنها «السعي الحثيث من أجل دمقرطة العلاقات الدولية استناداً إلى مبادئ المساواة والاحترام المتبادل بين الدول وعدم التدخل في الشؤون التي تندرج ضمن تشريعاتها الداخلية». وهذه قضية بالغة الأهمية، لأن التدخل الأميركي في قضايا العالم الإسلامي، يشكل أحد الأسباب التي تجعل صورة الولاياتالمتحدة الأميركية لدى الشعوب الإسلامية، مقترنة بالغطرسة ودعم العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني واستمرار احتلاله للأراضي العربية. إن لجنة الحريات التابعة للكونغرس الأميركي، على سبيل المثال، تمارس تدخلاً سافراً في الأمور الداخلية للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. وهذه اللجنة لا تقوم بمهمتها وحدها، ولكن معها لجان ومنظمات وهيئات أميركية، ويساندها جميعاً قانون الحريات الدينية الذي صدر عام 1994، وأعطى الولاياتالمتحدة الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بحجة إعداد تقرير سنوي حول الحريات الدينية في العالم وتقديمه الى الكونغرس. وقد قرأت أخيراً مقالاً ممتازاً للأستاذ رجب البنا في جريدة «الأهرام» يوم 31 كانون الثاني (يناير) الماضي، حول هذا الموضوع بعنوان «الأجندة الخفية للجنة الأميركية وأخواتها» يكشف القناع عن كثير من الحقائق المتعلقة بهذه القضية. في تموز (يوليو) الماضي، زارني في مكتبي السيد روبرت جاكسون، القائم بالأعمال في سفارة الولاياتالمتحدة الأميركية في الرباط، الذي كان مرفوقاً بالمستشارين الإعلامي والثقافي في السفارة. وتباحث الديبلوماسيون الأميركيون معي حول تفعيل مضامين الخطاب الذي وجهه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة. وتناولت المباحثات أيضاً، التشاور في شأن دور «الإيسيسكو» في تقديم الصورة الصحيحة للإسلام والثقافة الإسلامية في الولاياتالمتحدة الأميركية. وقد شرحت للقائم بالأعمال الأميركي ومرافقَيْه خلال تلك المقابلة، الأهداف التي تعمل من أجلها «الإيسيسكو» وبرامجها المهتمة بتعزيز الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات ونشر ثقافة السلام وقيم التسامح والتعايش بين الشعوب وتصحيح المعلومات الخاطئة عن الإسلام والحضارة الإسلامية لدى الأوساط الغربية. وأوضحت للديبلوماسيين الأميركيين أن «الإيسيسكو»، باعتبارها الضمير الثقافي للعالم الإسلامي، تعمل على نشر ثقافة العدل والسلام، ويهمها أن تساهم في تقديم الصورة الصحيحة للإسلام والحضارة الإسلامية في أميركا، وتقوية العلاقات بين العالم الإسلامي والشعب الأميركي. وأكدت في حديثي إلى الديبلوماسيين الأميركيين أن موقف «الإيسيسكو» منسجم مع القرارات الصادرة عن مؤتمرات القمة الإسلامية ومؤتمرات مجلس وزراء الخارجية للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. وقد تم ترتيب زيارة لي إلى الولاياتالمتحدة الأميركية للتباحث مع المسؤولين في واشنطن حول هذه القضايا، ولإلقاء محاضرات في عدد من الجامعات المرموقة. إنَّ التوجّهات العامة والأفكار الرئيسة الواردة في الكلمة التي وجهها الرئيس باراك أوباما إلى «منتدى أميركا والعالم الإسلامي» هي من بعض الوجوه، استكمال لما ورد في خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة، وهو الخطاب الذي قلت عنه في مقال لي نشر في هذه الجريدة يوم 9 حزيران الماضي: «صحيح أن خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما هو في كل المقاييس وثيقة تاريخية، وعلامة فاصلة في علاقات العالم الإسلامي بالغرب بصورة عامة، وليس بالولاياتالمتحدة الأميركية فحسب. وصحيح أن الأفكار والمواقف التي وردت في هذا الخطاب تستحق الاحترام وتبعث على التقدير، باستثناء طفيف وتحفظ خفيف، وهو الأمر الذي يؤسس لعهد جديد، ولكن الصحيح أيضاً أن التغيير في المواقف وفي السياسات، على هذا النحو المثير والشجاع والجريء، لا يكون ذا مفعول وتأثير في الواقع، إلا إذا ترجمت هذه المواقف وتلك السياسات إلى مبادرات ملموسة وقرارات تنفذ فعلاً، حتى نضمن لهذا العهد الجديد فرص الاستمرار للعمل على إزالة أسباب التوتر والاحتقان وتمكين أجيال المستقبل من العيش في أمن وسلام وتصالح وتسامح». ويمكن أن أعيد اليوم هذا الرأي نفسَه، وأؤكد ما قلته في بداية الصيف الماضي، بخاصة أن شيئاً جديداً عملياً ومفيداً لم يقع حتى الآن. فإسرائيل لا تزال تتحدى الإدارة الأميركية وترفض الانصياع للقرارات الدولية، والأوضاع في العراق لا تزال غير مستقرة، وأفغانستان لا تزال في خضم الاقتتال والفوضى. ولذلك فإن الإعلان عن عزم الولاياتالمتحدة الأميركية الدخول إلى نادي منظمة المؤتمر الإسلامي، سيكون بمثابة محك اختبار للسياسة العملية التي ستنهجها الإدارة الأميركية تجاه قضايا العالم الإسلامي، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية التي تتوقف تسويتها على موقف أميركي صريح ونافذ وقوي يرتفع فوق الضغوط الإسرائيلية، ويراعي في المقام الأول مصالح الشعب الأميركي، وأمن العالم واستقراره. * المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة – (إيسيسكو).