كثيراً ما يثار موضوع السفر للمرأة من دون محرم، وكيف أن بعض الشيوخ أجازه، وكأنه كان محرماً أصلاً! فالمسألة مباحة منذ أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي زمن كانت المخاطر تكتنف الأسفار ومع ذلك لم يمنعها نبينا أو يقف حائلاً دون سفر النساء، يقول عليه الصلاة والسلام: «توشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت، لا جوار معها، لا تخاف إلاّ الله»، فقوله «لا جوار معها» يدل على سفرها وحدها، وقوله «لا تخاف إلاّ الله» يشهد لها بالفضل وينفي عنها الإثم، لأن الآثم قلما يخاف الله، فسفر المرأة وحدها ولا محرم معها جائز من أجل المعاش والسعي عند أبي حنيفة وعطاء وابن سيرين، وقد جاءت امرأة يوماً إلى النبي تستأذنه في ركوب البحر على مشقته وخطره، فأذن لها نبي الرحمة والتيسير ولم يقل لها أين محرمك؟ يرى ابن مالك أن جماعة النساء محرم، ويرى الشافعي أن الحرة الثقة محرم، وقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «ألا تخرج المرأة مسافرة إلاّ مع محرم؟» فأجابت: ليس كل النساء تجد محرماً. يقول ابن حزم في ذلك: «كل سفر واجب لا يشترط فيه محرم»، فكيف إذا كان سفر المرأة من أجل عملها ومعاشها؟ يقول الشيخ أحمد بن باز أن المشكلة لدينا أننا غلفّنا الكثير من العادات والتقاليد بالدين، أما الرجل فليس له ولاية على المرأة إلا في النكاح، مضيفاً كيف أن المجتمع السعودي يعاني من تعظيم القضايا الخلافية مثل الحجاب والاختلاط الذي ليس له أصل في الشرع، ومن هنا جاء حديثي عن سفر المرأة بلا محرم، فهو أحد هذه القضايا التي لا تزال تجد من يتصيد المناسبات كي يستعرض ويلاتها، فإن سافرت امرأة وتعرضت لحادث من أي نوع، صُب جام الغضب على من أحل لها السفر، وكأن ما وقع لها في الخارج لن يحصل وسط ناسها وفي بلدها، ثم من يقرأ كلامنا قد يعتقد أن الطائرات امتلأت بالنساء السعوديات اللائي قررن ترك الوطن والأهل والفرار في أول فرصة، المسألة ليست كذلك، ولا يجوز لها حتى أن تكون أقرب إلى ذلك، فإن سجلت فيها حالات فردية فلا يقاس عليها ولا تأخذ كذريعة، الحكاية وما فيها أن المرأة إذا سافرت لأي سبب كان، حتى إن كان لمجرد السياحة، فمن الرقي أن تتحضر نظرة المجتمع لها ولرجال عائلتها، فلا يطعن في شرفها وشرفهم، ولا تتزاحم الأسئلة بمن سمح لها بالسفر! أو أين وليها عنها! فإن كان موجوداً وموافق على سفرها عيب في دينه وتربيته. لابد أن تشعر المرأة أنها إنسان مسؤول وكامل الأهلية، وأنها لو أساءت يوماً إلى نفسها فقد أضرت بهذه النفس في المقام الأول، وقبل أي شخص آخر، أما كيف تحافظ على نفسها، فأقول أن الإنسان لو تعود على التفكير التلقائي في الأمور قبل الإقدام عليها، وحساب الخطوة من زواياها المختلفة، فمن الطبيعي أن تقل نسبة أخطائه في الدنيا، فإذا اعتقد أنه يفكر وأثبتت النتائج أنه لم يفعل، فالخلل يكون في ما أملاه عليه عقله وليس في الآلية عينها. [email protected]