في برنامج أسبوعي خاص جداً بعنوان «مع هيكل» يطل «امبراطور الصحافة العربية» محمد حسنين هيكل من قناة «الجزيرة»، ليسرد من الذاكرة والوثائق المصورة النادرة مفاصل الحياة السياسية العربية، وما يتصل بها من الأحداث والمتغيرات الحادة في السياسة العالمية، في النصف الثاني من القرن العشرين، مروراً بالجذور الأبعد لبعض هذه الأحداث، بخاصة تلك التي لامست أو تفاعلت مع الصراع العربي - الاسرائيلي، في تحولاته الضارية ومفاجآته المثيرة. ويتابع ما يقوله هيكل على الشاشة الآن، بعدما حلّت لديه مكان الصحافة المكتوبة، جمهور غفير من المتفرجين، حتى من الذين لا يعرفون ان خصوصية هيكل - 87 سنة – تبرز منذ بواكير الخمسينات حينما طار ليغطي الحرب الكورية اللاهبة، ثم مضى الى ايران ليغطي الأحداث الدامية التي سبقت صعود مصدق الى رئاسة الوزارة، وهناك أجرى لقاءات اضافية مع أقطاب الصراع ونشر أول كتبه – ايران فوق بركان – وكأنه يحكي عن اليوم. ومنذ ذلك الحين أخذ هيكل دور «الرجل الذي يعرف أكثر مما يجب»، لكنه في الوقت ذاته، وكما نلاحظه في دور «الحكواتي» على الشاشة الصغيرة يبدو كأنه لا يريد أو لا يستطيع أن يقول كل ما يعرف. ربما لأنه لا يريد أن يأخذ دور المؤرخ، فالتاريخ العربي الحديث يبدو أكثر غموضاً وتعقيداً من التاريخ العربي القديم، بينما تأخذ آراء هيكل وتحليلاته شكل نوع من الأدب السياسي في مزاوجة الرأي الشخصي بالحكاية والوثائق العربية والأجنبية، ومنها مراسلات الرؤساء والديبلوماسيين وكبار القادة العسكريين، وبعضها «سري جداً». والحقيقة ان علاقة هيكل الخاصة بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر مكنته من بناء علاقات متينة مع شخصيات عربية وأجنبية بارزة. ومن هنا قد يمكن ان يعتبر نفسه مؤتمناً على اسرار لا يجوز قولها بعد. قد تختلف مع هيكل أو تأتلف، لكنك تندهش من انجازاته الباهرة التي جعلت «الأهرام» من أهم الصحف العالمية، أو هكذا كانت، حينما استقطبت أهم الأقلام المصرية في الستينات والسبعينات، ومنهم يوسف ادريس وتوفيق الحكيم، وكانت مقالته الأسبوعية «بصراحة»، وكتبه المتواصلة، بوصلة متحركة لتحديد الاتجاهات المتغيرة للسياسة العربية والعالمية، في وقتها. ومع كل هذا وذاك تظل لديك حين تشاهد هيكل على الشاشة اليوم يصول ويجول، أسئلة مصيرية حائرة وجارحة عما وراء ما حدث، وما وصل اليه الوضع العربي من بؤس وتآكل. وهي أسئلة مشروعة يعرف قلائل أجوبتها، لكنهم مثل شخصيات رواية «المخطوف» لستيفنسون، كلهم يعرفون قاتل كولن كامبل «الثعلب الأحمر» لكنهم صامتون... فهل يمكن القول هنا أن وهيكل هو في هذا المجال الصامت الأكبر، وان كان كثير الكلام؟