«هل يستطيع أحد إنكار أن سورية على شفير انهيار كبير؟ تجاهل وجود جهد دولي لبدء حراك سياسي دولي - إقليمي للوصول إلى تسوية سياسية؟ هل هناك فرق بين «صنع السلام» و«بناء السلام»؟ كيف يمكن تجنّب الوقوع في «الفخ» وبحث احتمال التسوية، الوصول إلى أعلى قدر من اللامركزية من دون الانحدار إلى التقسيم؟». كانت هذه ضمن أسئلة، اجتمع سوريون، على اختلاف مشاربهم، للإجابة عنها ومراجعة مشروع «الاجندة الوطنية لمستقبل سورية» الذي بدأته «لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا» (اسكوا) قبل سنوات. والاجتماع ضمن سلسلة مراجعات ستجري في أماكن وجود السوريين داخل البلاد وخارجها للمشروع الذي صاغه خبراء سوريون، تحت مظلة الأممالمتحدة وإشراف عبدالله الدردري، نائب رئيس الوزراء السابق ونائب الأمين العام التنفيذي ل «اسكوا». في البداية، تركز جهد الخبراء على تحديد اجمالي خسائر الاقتصاد ضمن استخدام تعابير سياسية دقيقة كون الحكومة السورية لا تزال ممثل البلاد بحسب قيود الأممالمتحدة. وغالباً ما كانت وثائق «الاجندة الوطنية» تتجنب الدخول في تعابير إشكالية أو منحازة، فتلجأ إلى قاموس الأممالمتحدة ومبعوثيها السابقين من كوفي أنان إلى الأخضر الابراهيمي وانتهاء بستيفان دي ميستورا. انتج 300 خبير حوالي 20 ألف صفحة، بدأت بتقويم الواقع الراهن مع استرجاع إلى الماضي لفهم جذور الازمة، وانتهاء باستشراف سيناريوات المستقبل. وكان التقدير في الأوراق الأولية، عندما كانت سنة 2015 تبدو بعيدة جداً، ان استمرار الصراع إلى العام الحالي سيزيد خسائر الاقتصاد عن 237 بليون دولار أميركي. وهو تقدير متواضع قياساً إلى تقدير أبلغه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى المسؤولين السوريين بداية العام الحالي، عندما قال إن كلفة إعادة الإعمار قد تزيد على 350 بليون دولار. من هم السويون وأين هم؟ بات السؤال مطروحاً ولم يعد الجواب بديهياً. جرى مرور عابر أن «المعارضة الوطنية في الداخل» التي يمكن ل «الدولة أن تتفاهم معها»، قوبل بتأكيد أن «الوطنية» لا ترتبط بالجغرافيا بل بالموقف وان «النظام غير مستعد للتفاهم حتى مع أحزاب شكّلها هو»، وهذا ما بدا في جلستي «منتدى موسكو» بداية العام. اما مكان وجود السوريين، فإن تقديرات الأممالمتحدة تفيد بوجود 4.2 مليون سوري مسجلين لديها، يضاف اليهم حوالى مليون غير مسجلين، في حين قال سوريون إن الرقم أقل من ذلك بكثير وإن هناك «مبالغة مسيّسة». لكن جرى التوافق على أهمية «ايجاد بيئة قانونية» لعودة اللاجئين ورفض أن «النازحين لن يعودوا الى مناطقهم اجمالاً».... علماً أن 2.6 مليون منزل دُمّرت معظمها في شكل كامل. لا يمكن تجاهل أن هناك نحو ثلاثة ملايين طفل خارج المدارس، فيما أفادت إحدى الأوراق أن «الضرر الذي أصاب قطاع التعليم استمر مع دمار في البنى التحتية التعليمية» حيث ارتفع الى حوالى أربعة آلاف عدد المدارس المدمرة. في العام 2012 فقد السوريون قرارهم. وفي 2014 تعزز وجود المتطرفين، وفي 2015 تراجعت حصة النظام من الجغرافيا لتصل بين 30 و25 في المئة وظهرت ملامح تغيير في الديموغرافيا وزادت الهجرة الطوعية والقسرية وخرجت محافظتا ادلب والرقة في شكل كامل عن سيطرة الحكومة مع تنامي دور فصائل اسلامية. لكن العام 2013 كان «الاسوأ» ليس فقط بسبب المدارس المدمرة، بل لأنه «شهد تدهوراً مستمراً في المؤشرات التنموية، وامتداد النزاع المسلّح إلى مناطق واسعة، وازدياد أعداد النازحين داخل البلد وإلى البلاد المجاورة. وتقلّص النشاط الاقتصادي في جميع القطاعات والمناطق وإغلاق أعداد كبيرة من الشركات وتسريح العاملين فيها»، الأمر الذي أدى إلى «انخفاض الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي (بالأسعار الثابتة لعام 2010) من 60 بليون دولار عام 2010 إلى 33 بليوناً في 2013». كما ارتفعت مستويات تضخّم أسعار المستهلك في شكل ملحوظ. ويعود تسارع التضخّم إلى انخفاض قيمة الليرة السورية في مقابل العملات الأخرى، حيث بلغ سعر صرف الدولار حوالى 325 ليرة بعدما كان 46 ليرة سنة 2011. ولعل أخطر ما تتضمّنه هذه الدراسة هو تقديرات الخبراء في شأن الفقر. اذ كان اعتقاد الخبراء سابقاً: «إذا ما استمر النزاع لغاية عام 2015، فسيكون 90 في المئة من السوريين البالغ عددهم نحو 22 مليوناً فقراء». وتحدث مشاركون عن عبء العيش في العاصمة، ذلك ان «دمشق وحلب كانتا تضمان 44 في المئة من السكان البالغ عددهم 18.6 مليون» قبل 2011، لكن حالياً تضم دمشق حالياً 30 في المئة من السكان. ولم يجر المرور تفصيلاً على قرارات مجلس الامن الخاصة بتسهيل مرور المساعدات الانسانية و «وقف القصف العشوائي»، لكن أحد المشاركين طالب ب «التدخل» لوقف العقوبات الاحادية من أوروبا وأميركا على المؤسسات العامة في سورية. الدردري افتتح النقاشات قائلاً: «نحن على اعتاب مرحلة من حراك سياسي. هل سيقود الحراك الى تسوية وسلام؟ أمر خارج عن ارادتنا»، مؤكداً أن «أجندة وطنية أمر مهم كي لا تفرض أجندة خارجية. لدينا مادة أولية كي يتولى السوريون لاحقاً تطويرها إلى خطط وبرامج». وكان لافتاً أن دي ميستورا الذي أعرب عن رغبة بالافادة من «مخرجات» هذا المشروع في عمل اللجان الأربع التي ينوي اطلاقها قريباً، أوفد أحد مساعديه الى الأروقة، في انتظار تشكيل النظام والمعارضة ممثليهما الى اللجان الأربع، وسط اعتقاد معارضين انها أقرب الى «العصف الفكري» وجهد لملء الفراغ الى حين توفر تفاهم دولي - اقليمي وتشكيل مجموعة الاتصال بعد اقرار الاتفاق النووي الايراني في واشنطن. وُضعت أمام المشاركين خمسة سيناريوات: يفترض الأول الوصول إلى «حل سلمي مع وجود اجماع اقليمي ودولي وتسوية بين أطراف الصراع وما يتطلبه ذلك من تحضيرات لمرحلة ما بعد الصراع»، فيما يفترض الثاني، وهو «الاكثر واقعية»، الوصول الى «حل سلمي مع بقاء بعض الخلافات بين الاطراف أو بروز صراعات جديدة حول القوة والنفوذ». أما الثالث، الذي سُمّي ب «الفخ»، فيقوم على احتمال بقاء الصراع، مقابل «المشهد الانحطاطي» الذي يحذّر من احتمال «تفاقم النزاعات بين المناطق والقوى المتناحرة وزيادة اثر الجماعات المعوقة لانهاء الصراع مثل الجماعات المتطرفة واحتمال تقسيم سورية»، مع استبعاد سيناريو «حسم الصراع عسكرياً لأن هذا يتطلب حرباً اقليمية». اختار المنظمون عن وعي مناقشة الخيار الثاني، أي التمييز بين «صنع السلام» و «بناء السلام» في البلاد. وفي مرحلة «بناء السلم وبناء الدولة لبناء الشرعية واعادة التأهيل المؤسساتي»، نوقشت عناوين تتعلق ب «اصلاح المنظومة الأمنية، والمنظومة القصائية والتشريعية، وآليات صوغ مسودة الدستور، وصوغ مسودات قوانين الانتخابات، الاحزاب، الجمعيات، الغاء القوانين الاستثنائية، الاعلام». وكان المشاركون قد خاضوا في تعريف «الفاعلين» في داخل سورية وخارجها وتحول البلاد الى «مسرح لوجود كثيف للفاعلين». ولم يكن خلاف كبير في التطابق على الفاعلية الدولية والاقليمية في سورية. كما لم يعد ممكناً تجاهل وجود «متطرفين لهم دور فاعل، بصرف النظر عمن أوجد هذه الفصائل المتطرفة». لكن الخلاف كان في حدود دور النظام ومؤسساته من جيش وحكومة و«قوات دفاع وطني» وميليشيات ومدى تماسك هذه المؤسسات وعلاقتها مع اللاعبين الخارجيين. كما جرى توافق على هامشية فاعلية المعارضة السياسية، مقابل ارتفاع دور الفصائل المسلحة المعارضة على تعددها، اضافة الى الخوض في كيفية الوصول الى «اقصى حد من اللامركزية من دون الوصول الى تقسيم» و «وقف تفكك المجتمع ومنع تقسيم الجغرافيا». أمام قناعة مشاركين بمحدودية دور الخبراء والمثقفين والعلمانيين والسياسيين من السوريين، وأمام تعاظم دور البندقية والقناعة بغلبة دور الخارج على الداخل، حقن أحد المشرفين المشاركين، القادمين من دمشق أو من اسطنبول وأوروبا، بجرعة تفاؤل، وقال إنه في زمن الحرب المهم هو عدد العقول التي تلتقي أكثر من الجنود الذي يتقاتلون.