منذ وضعت الحرب الأهلية الكورية أوزارها في عام 1953، لم تتوقف المناوشات والاستفزازات والتحرشات العسكرية والإعلامية بين الكوريتين، على رغم الاتفاقات التي وقعت بين الطرفين برعاية الأممالمتحدة، وضغط من الولاياتالمتحدة التي تدعم في صف كوريا الجنوبية، وروسيا (الاتحاد السوفياتي سابقاً) التي تنحاز، مدفوعة بالإيديولوجيا، إلى بيونغيانغ. وتعتمد كوريا الجنوبية، ذات التوجه الليبرالي والقوة الاقتصادية - الصناعية، على سلاح الإعلام في صراعها مع جارتها الشمالية، وتواصل ضرباتها الموجعة من خلال رسائل إعلامية مستفزة للجانب الكوري الشمالي. ولا تتوقف الاستفزازت عند هذا الحد، إذ تجري سيول مناورات عسكرية مع الولاياتالمتحدة على الحدود بين الطرفين، تستعرض خلالها مؤهلاتها العسكرية وجاهزيتها لأي هجوم عسكري مرتقب. واعتادت الكوريتان على هذه المناوشات منذ اتفاق وقف إطلاق النار بينهما في عام 1953، لكن الأوضاع انفجرت في مطلع آب (أغسطس) الماضي، بعدما أُصيب جنديان كوريان جنوبيان في انفجار ألغام مضادة للأفراد، فاتهمت سيول بيونغيانغ بالضلوع فيه. وعقب الحادث، نصبت سيول مجدداً مكبرات صوت على الحدود تبث دعاية مضادة لنظام كوريا الشمالية، بعد 11 سنة من توقفها، لزعزعة معتقدات الشماليين وتشويه صورة زعيمهم. ورفضت إيقاف البث الدعائي إذا لم تقدم بيونغ يانغ اعتذاراً في شأن إصابة الجنديين، وعملت على إيصال رسائل ثورية إلى الكوريين الشماليين، من خلال إلقاء منشورات تحضهم على البحث عن الحرية والثورة ضد حاكمهم، واستشراف غد ديموقراطي بعيداً من الدكتاتورية التي يحكمهم بها الزعيم كيم جونغ أون. وكانت سيول استغلت ثورات الربيع العربي، ودأبت طائراتها على تزويد الشماليين بجديد ما يحدث في تونس ومصر وليبيا في رسالة واضحة مفادها: «أنتم أيضاً تستطيعون الثورة على زعيمكم... تستطيعون رفض الديكتاتورية». وكان الأمر صعباً على الزعيم الكوري وحكومته الذي يبذل جهوداً مضنية من أجل إبقاء شعبه معزولاً عن المؤثرات الخارجية. واعتادت كوريا الشمالية على الرد على هذا الاستفزاز «الجنوبي»، بالتهديد بإعلان الحرب إذا لم تتوقف عن إلقاء المنشورات على أراضيها. ويتكئ الشماليون في تهديدهم بالحرب على تاريخهم الشيوعي الذي يتيح شحذ أفكار المواطنين وتأهيلهم ليكونوا جميعاً جنوداً في الجيش، إضافة إلى أن النزاع يتحول في أذهانهم بفضل نظام الحكم وتأثير مناهج التعليم إلى نزاع مقدس، وينظرون إلى الحرب إذا ما قامت مجدداً على أنها حرب مقدسة. وتبدو المنشورات والرسائل التحريضية أسلوباً عتيقاً لا يتماشى مع ثورة المعلومات والإعلام، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن النظام الكوري الشمالي يغلق الحدود أمام كل شيء، إلى حد يبدو معه إيصال منشور إلى يدي مواطن أمراً كارثياً، يمكن أن يتسبب بإشعال فتيل حرب عنيفة.