تختلط المفاهيم مع الزمن وظروفه أحيانا، وقد تصدأ لأسباب تتعلق بعوامل الإهمال في استخدامها الذي قد يكون سببه وهن الأمة وضعفها أو لعله تعمد البعض ممن له غاية في ذلك لتجريد تلك المفاهيم من المعاني التي تشكل خطرا عليه أو تساهم في بناء مداميك الخطر على مكتسباته وكرسيه ولا يجد معها حلاً او مهرباً. وفي كل الأحوال فان خلط المفاهيم او صدأها يسهل جلاؤه وتوضيحه إذا تنبه لذلك أصحابه وأهله الذين يقصدونه ويسهرون على حفظه، وما الرجولة إلا أحد هذه المفاهيم التي ابتليت بالخلط والصدأ فجعلت ذكورة وحسب، بل اقتصر مفهوم الرجولة على الذكورة دون الأنوثة، وتراكم الصدأ على هذا الخلط ردحاً من الزمن عزت فيه المواقف وتراجعت فيه الأمة وكان لاستكانتها وضعفها وهزالها دور في صدأ المفاهيم وخلطها بل إن الخوف يأتي من أن تقتل هذه المفاهيم التي تشكل وجدان الأمة وتربية شبابها إذا طال هذا الوهن الذي تجمد معه الروح. فمن يهن يسهل الهوان عليه سيما إذا لم ينتبه المخلصون إلى خلط تلك المفاهيم وصدئها ويعملون على جلائها وتفعيل مضامينها إن الرجولة مواقف عز ترجى عند الملمات وتدفعك الى تلبية النداء من دون تردد ما دام الحق والعدل والصدق والإخلاص وقيم الأمة ونبلها والخطر الداهم عليها هو العنوان لتلك المواقف والظروف وان جاء ذلك على حساب راحتك وهناء نومك ورغد عيشك وبعض الأخطار التي قد تواجهك ،فمن تسكن الرجولة داخله تهون عليه الحسابات وتسمو معه النفس. ومن تنعدم الرجولة في داخله فلا نخوة ترتجى منه ولا رجاء وإن كان ذا مال أو جاه أو نفوذ، حتى وإن جارت الأيام على صديق او جار او زميل له فكيف بالأمة والوطن ؟! فالموت الأعظم والابشع هو في جمود الروح والوجدان والشهامة وليس في فناء الجسد وموته. وللرجولة مدى واسع يشمل الحياة كلها من أضيق أبوابها إلى أوسعها ،فإذا كانت الرجولة تبدأ من الإيثار بمختلف معانيه وأوزانه «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة «فأنها تصل إلى الدولة ومؤسساتها وساساتها، لذلك كنا نسمع أن فلاناً كان رجل دولة مدحاً له ولمواقفه كتعبير عن عزمه وإرادته وإيثاره ونخوته وتحمله للمسؤولية على أكمل وجه من أجل الأمة والوطن وأهله ولو كان على حساب شخصه ومصالحه. ولعل عظمة الرجولة تكمن في حجم التضحية ومقدارها التي قد تبلغ من الذروة بمكان تهون معها أعظم الروابط الإنسانية في سبيل الله جل جلاله والأمة وعزتها والوطن ومنعته والقيم العليا وتعميقها في النفوس. إن مفاهيم الرجولة وقيم الرجال عندما تسود تعني التضحية من أجل الأخر في سبيل أهداف سامية، تخلق التكامل والتكافل والتضامن في المجتمع وتساهم في حل الكثير من المعضلات، تصغر معه المسافات بين شرائح المجتمع وتعظم في نظر أبنائه العزة والبناء والإنتاج وتهون معها صغائر الأمور التي قد تعظم في نظر الآخرين، لا سيما أن الرجولة لا تعرف الجنس ولا العرق ولا تعترف بهيكل الجسم وتراكيبه البيولوجية والفسيولوجية بل تسكن نفس من يعشقها وينتشي بها ذكراً أو أنثى من أي عرق كان، ما دامت النخوة والشهامة هما المنهج، والصدق والثبات هما العنوان والجوهر وصدق الله العظيم حين قال «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا». فالرجولة مواقف فاين الرجال؟