تقيم الفنانة المصرية نازلي مدكور معرضاً للوحاتها في قاعة «سفر خان» في القاهرة، واختارت هذه السنة فكرة «المرأة المصرية البسيطة بزيها الريفي» موضوعاً وإطاراً لبحثها عن ذات المرأة، وذات الفنانة الحقيقية. المعرض رحلة داخل المرأة وأحوالها يكشف عمّا يدور في داخلها وتعدد أبعادها وأوجهها وعوالمها المتباينة في محاولة للوصول الى رؤية شاملة لها. تحتوي ذات المرأة ليس فقط على حقيقتها الباطنية وإنما حقيقة أمها وابنتها وجدتها وتمتد بجذورها في أعماق التاريخ والحضارة للأم الأولى والأم الكبرى التي نجدها في رمز عشتار إلهة الحب والجمال التي تطالعنا في بعض اللوحات. تتعدّد المعاني والإشارات في رمزية عشتار حتى تبدو أحياناً متناقضة ومتضادة، لكن هذا التضاد، يوفر غنى الرمز وثراءه، فهي ترمز الى الأنوثة والأمومة، وهي الأرض الخصبة الثرية بخيراتها وغذائها وهي الجمال الروحي الكامن في جوهر الحب الذي يحيي الوجود كله وينمو ويترعرع به الإنسان والنبات على حد سواء. إلا أنها أيضاً إلهة حرب وهو ما يقدم «تيمة» التصدي والثورة على أوضاع المرأة الراهنة السيئة من جهل وفقر وسوء معاملة وظروف إنسانية متدنية. استخدمت نازلي مدكور ثنائية في التعبير عن محنة المرأة في واقعها المتردي، وتكمن قوتها الممتدة بجذورها في أعماق التاريخ، ما أنشأ «تضاداً في المعالجة أبرز المعاني المختبئة وراء الرموز والأشكال والألوان. عمدت مدكور إلى طمس الوجوه كتقنية لإظهار أن الرحلة داخل المرأة وليس في ملامحها الخارجية، ولم تهتم بجمال الملامح لدرجة تصويرها عشتار دميمة أو تكاد تكون مسخاً في إحدى اللوحات، ما أكد النزعة الحلمية في المعالجة حيث تبدو الأشكال مشوشة ممسوخة كما تظهر في الحلم وتتطلب جهداً للكشف عن الهوية الحقيقية للشخصية الظاهرة في الحلم. يعكس الطمس الدائم للوجوه عدم وضوح الرؤية سواء لدى المرأة أو عنها أو عن واقعها أو حقيقتها، كما يوحي بأن حقيقتها مختبئة ومحجوبة ويوحي بالحالة الحلمية التي تلف الأشياء بسديم أو ضباب تبدو فيه معالم الأشياء غير محددة، وتتحوّل المرأة فيه من شخص إلى مكان تبحث فيه المرأة عن ذاتها، فهي تجوب أرجاء المكان فترى جبال أو كثبات عالية تتأملها كأنها غاية تريد الوصول لها. وعبرت مدكور عن رفضها لقبول المرأة وقناعتها السيئة واستكانتها أمام ظروف حياتها وقالت «تملك هذه المرأة المصرية من جمال الروح ما يجعلها تقدم كل ما لديها للآخر, كما تقدم عشتار طبقاً من الثمار والفاكهة للآخرين؛ وكأنها تقدم قرابين»، ما يشير لما تهبه المرأة من نفسها وطاقاتها للآخرين لاستمرار الحياة، بل أنها كثيراً ما تضحي بنفسها لخدمة وسعادة الآخرين كما كانت المرأة نفسها قرباناً يقدم للنيل ليستمر في عطائه للأرض والحياة في مصر. شغلت الوجوه حيزاً في المعرض وتميزت بجماليات في استخدام اللون والضوء، وكسى بعض الوجوه اللون الأخضر، وبعضها اقترب من ألوان البشرة العادية بلمسات من اللون البرتقالي الفاتح وقوة في الضوء حتى بدت الملامح في إحدى اللوحات من الجمال والإضاءة ما لا يقل عن جمال إيزيس وأفروديت. كان اللون أحد أبطال معرض مدكور الذي أضفى جماليات وهارمونية في الأداء ودرامية وموسيقى لأحوال وعوالم المرأة. وكان الضوء بطلاً يسطع في اللوحات تدريجياً حتى ظهر بكامله في لوحة الوجه الجميل للإلهة إيزيس أو أفروديت التي تبدو كأنها ميلاد جديد للمرأة حين تتوحد مع عشتار إلهة الخصب والجمال الروحي والحب والعطاء والإشراق. فبعد كل شيء عشتار هي سيدة الأسرار وسيدة الحكمة ولديها معرفة كبيرة بالنباتات والأعشاب وهي رمز الطب والشفاء, ومعنى اسمها «عيش الأرض» أي حياتها.