فجّرت صور وأخبار تظاهرات «الجميلات اللبنانيات» أو «مزز لبنان» التي تناقلتها مواقع إلكترونية مصرية، تحت عناوين «مغرية»، موجات من السخرية والجدل وردود الفعل المتبادلة والحادّة، على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد وصلت المشادات الكلامية بين أبناء البلدين، وتبادل الاتهامات بالذكورية والتحرّش الجنسي وانعدام الرجولة والتفلّت من القيم الأخلاقية، ذروتها، مع بثّ فيديو لفتاتين لبنانيتين اعترضتا على الذكورية الفائضة في الاستخفاف بقدرات المرأة اللبنانية والنظر اليها ك «قطعة لحم مغرٍ». هذا الفيديو الذي بثّه الإعلامي باسم يوسف على حسابه في «تويتر» قائلاً إنه يلخّص ما كان يفكر فيه، قابلته أفلام أخرى تشتم «الرجال اللبنانيين لأنهم لا يؤدبون نساءهم» والمرأة اللبنانية باعتبارها مصدر «الطاعون الجنسي في العالم». هذه الموجات من التجريح التي تسلّى بها شباب من البلدين، خلال اليومين الماضيين، والتي تحوّلت الى جلسات نميمة، تؤكد غرق بلداننا بالأمراض الذكورية التي يستفزّها ظهور المرأة في شكل متحرّر من كل الصور النمطية التي رُسمت لها تاريخياً في منطقتنا، وخصوصاً التحرر في الهندام والتأنق. فمن قال إن المرأة عندما تتحرّر من اللباس التقليدي المحتشم، أو من زيّ الأمومة والعفة، أو من صورة السيدة الحزينة التي تضحي من أجل الزوج والعائلة، أو من صورة الزوجة المطواع، تصبح امرأة سيئة وتؤطر في علبة «غير صالحة» أو «للإغراء فقط»؟ حلقات النميمة هذه التي اعترض عليها معظم المثقفين المصريين واللبنانيين، أول ما فجّرها هو خبر وصور نشرها موقع إلكتروني مصري واسع الانتشار هدفه «الترافيك» أو العدد الأكبر من الزوار للموقع، وتناقلتها مواقع أخرى وجدت فيها مادة دسمة لتحقيق الانتشار. وهذه ليست المرّة الأولى التي تتّبع فيها مواقع إلكترونية مصرية ولبنانية على حدّ سواء، معايير الصحافة الصفراء التي تلهث وراء «الترافيك»، وتتلاعب بالعناوين والتغريدات، لزيادة عدد الزوار والمشاركات، غير آبهة بالأخلاق المهنية ولا الإنسانية. فقد أصبح عدد القراء أو الزوار للموقع، هو القيمة اليوم في غالبية المواقع الإلكترونية العربية، والتي تسبق أي معيار مهني. وباتت هذه المواقع أشبه بجلسات نميمة حميمة حول طاولة إعلاء شأن الإغراء وفضح الحياة الشخصية وأخبار الجنس المبتذلة وأخبار المشاهير الحميمة. وكلها مواد «إعلامية» صفراء، تصبّ في تسليع جسد المرأة وسجنها في خانة الإغراء المبتذل. الإغراء ليس عيباً ولا تهمة، فمعظم جميلات السينما المصرية مثل هند رستم وتحية كاريوكا كن مغريات وموهوبات وساهمنَ في إعلاء شأن المرأة في المجتمع وبعضهن شاركن في العمل السياسي، وإنما ابتذال الإغراء بهذا الشكل الرخيص والترويج له لمصلحة ال «ترافيك» هو العيب وهو تهمة تستحق المحاسبة عليها. طبعاً لا يجوز اختصار التظاهرات اللبنانية التي شارك فيها حوالى 50 ألف مواطن لا ينتمون الى أحزاب سياسية حاكمة في البلد، والتي تطالب بجملة مطالب محقة أولها حل أزمة النفايات ومحاربة الفساد، ب «تظاهرة المزز». ولا يجوز أن تختصر نضالات المرأة اللبنانية ضد الظلم وضد الذكورية وضد الفساد، بصورة نمطية تعتبرها مصنعاً للإغراء والجنس. وكان لافتاً في «حلقات النميمة» هذه، العين النسائية التي هي أيضاً لم تر من تظاهرات لبنان إلا صورة الإغراء المنافِس، بدل أن تعترض على اللهجة الذكورية. والمفارقة أن تكون المرأة عدواً لنفسها وترى الأمور في شكل ذكوري أكثر من الرجال.