مثلما استطعنا تلمس سد الذرائع لمنع قيادة إناث الأمة للسيارة، على رغم أن السيارات والعربات ما هي إلا النُسخة الحديثة المعاصرة «البديلة» للدواب، التي كانت الصحابيات تمتطينها، ولم يمنعهن الشرع الحنيف من ذلك، بل السيارات أكثر أمناً من امتطاء النوق، خصوصاً مع بروك الناقة أو قيامها، إلا أن السيارات آمنة، وفي مقصورة مكيفة الهواء، وحزام أمان، مع القفل الأوتوماتيكي «الآلي»، وتوفر الجوال لاستدعاء الخدمات المساندة في حال تعطل السيارة، أو ثقب الإطار «البنشر»، وغير ذلك، ومع كل ذلك، نصر إصراراً غريباً على ممارسة المخالفات الأدبية والذوقية، بترك بناتنا وإناثنا مع سائق مُستقدم «وافد»، ما يُشكل مخالفة صريحة للهدي النبوي الشريف، إذ يسوق بهن آناء الليل وأطراف النهار من وإلى قصور الأفراح وبين المدن، من دون محرم شرعي... اللهم إلا خادمة، لا تقوم أبداً مقام المحرم! لأنهما ربما يشكلان ثنائياً خطراً! فمثلما استطعنا إيجاد الذرائع بقصد منع وقوع الخطأ، فلماذا لم نُوجد الذرائع لمنع تزويج القاصرات؟ مع وضوح الأضرار المختلفة التي تلحق بهن، وحفلت الصحف بشرح تلك الأضرار. وجزى الله خيراً كبار رجالات المؤسسة الدينية الذين نصحوا بالتريث في تزويج القاصرات، إلا أنهم يرون بألا يمنعوا ذلك، فالاجتهادات لم تصل إلى نتيجة قاطعة بمنع تزويج القاصرات، لعدم وجود نص صريح يمنع ذلك، مثلما لم يجدوا نصاً صريحاً يمنع قيادة النساء للسيارات والمركبات، ولكنهم اجتهدوا ووجدوا أنه من الأرجح المنع، فكان المؤمل أن يتم النهج والاجتهاد نفسهما لمنع تزويج القاصرات، إذ الضرر واضح. ومن الناحية الاجتماعية والنفسية، فيبدو أن من يتزوج «قاصراً» يعاني من مركب نقص، أو عقدة «أوديب»، فالمفترض من الإنسان الراشد، ومن تعدى سن ال «40»، أن يقترن بالراشدة لتحقيق أغراض الزواج، ويترك المجال للقاصر كي تدرس وتكمل تعليمها، أو يكتمل لديها النضوج، من حيث الاستعداد والتهيؤ للزواج، ولا يخفى على أحد متطلبات التهيؤ للزواج، أما القاصر فهي تحتاج للتعلم واكتساب المهارات، واللعب مع أقرانها، فما بالكم فيمن تعدى ال «80»؟ فالمفترض أن يرفض ذلك، بل يتعين عليه إقناع أبيها بالانتظار والتريث حتى السن المناسبة، ويأتيها من يناسب عمرها! وقد يتصور من يُقدم على الزواج من قاصر، أن ذلك «فحولة» أو «استعادة الشباب!»، ولكن الأمر ليس كذلك، إنما هو «تصابي!»، ومحاولة العودة إلى الطفولة! فربما عاش طفولة كلها حرمان، أو تعيسة، ويريد الآن التعويض، ولكن على حساب طفلة، مستغلاً سماحة الإسلام، التي تعني مراعاة الجوانب الأخرى المتعلقة بالنضوج البدني والنفسي والاجتماعي، وهناك قسطاس وميزان دقيق عند الإفتاء بأي فتوى في مثل هذه الأمور، لأن الفتوى هي الاستنباط والاستقراء والاستنتاج بالاستناد إلى أحاديث، عن طريق المقارنة، وهنا لابد أن يكون الاستنباط سليماً ومتماشياً مع العقل والمنطق والفطرة، إذ الإسلام دين الفطرة «والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس»، «والبر حُسن الخُلق»، وليس من الخُلق الكريم إلحاق أي نوع من الأذى الجسدي أو النفسي بهذه الطفلة البريئة تحت أي مبرر. الدين الحنيف والهدي النبوي الكريم، والشرع القويم، يدعو إلى تزويج الراشدات، حتى لا يفوتهن قطار الزواج، فكم من فتاة على وشك أن يفوتها قطار الزواج، وكان الأجدر براغب الزواج الاقتران بواحدة منهن، بدلاً من أن يتظاهر بفحولته ورجولته أمام القاصرات؟ وهذا والله منتهى البُعد عن الغايات النبوية (ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً)... الآية، فعلى راغب الزواج أن يدرُس السيرة النبوية العطرة، ويعرف قصة زواج النبي «صلى الله عليه وسلم» بكل واحدة من زوجاته، وعندئذ فقط سيعرف إذا كانت نيته في الزواج متماشية مع غاياته الكريمة «صلى الله عليه وسلم». «فاتقوا الشبهات، ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمىً، ألا وإن حمى الله محارمه»... الحديث، أي المحرمات البينة «الحلال بيّن والحرام بيّن... وبينهما أمور متشابهات» أو «مشتبهات»، وهذه تحتاج إلى اجتهادات، فالأجدر والأصح التريث في تزويج القاصرات حتى السن المناسبة للفتاة التي لا خلاف عليها. [email protected]