فيما تستمر محاولات إعلاء نسب «السعودة» في أسواق العمل المحلية، نبه خبير في التوظيف والتدريب، إلى أن العام 2010 بدأ بحلة جديدة، ولكن «السعودة في تراجع عن عام 2005، فخمس سنوات أو أكثر بقليل مرت من دون آثار مستدامة لعمل السعوديين». وقال الخبير في التوظيف والتدريب الدكتور شريف العبدالوهاب، الذي تقلد مناصب حكومية عدة مرتبطة بالتوظيف والتدريب، في حديث مع «الحياة»: «أصبحنا في عصر الإدارة المتبعثرة وعشوائية إدارة الصلاحيات»، لافتاً إلى أن كل جهة أصبحت كأنها «جهة مستقلة تدير نفسها بنفسها من دون تعاون مع الجهات الأخرى لتحقيق هدف مشترك». وطالب بتغيير جذري فيما يخص تنمية الموارد البشرية، بدلاً من تشتيت العمل بين خمس جهات، «وإيجاد جهة مستقلة تعنى بتنمية الموارد البشرية، تربط خيوط التنمية البشرية في ما بين الجهات المختلفة». وفي ما يأتي نص الحديث: مع بداية دخول العام 2010، ما تقويمكم لمحاولات سعودة الأسواق المحلية خلال الأعوام الماضية؟ - عام 2010 بدأ بحلة جديدة، ولكن السعودة، في تراجع عن عام 2005، فخمس سنوات أو أكثر بقليل مرت من دون آثار مستدامة لعمل السعوديين. وأصبحنا في عصر الإدارة المتبعثرة وعشوائية إدارة الصلاحيات، فكل جهة أصبحت كأنها جهة مستقلة تدير نفسها بنفسها من دون تعاونها مع الجهات الأخرى لتحقيق هدف مشترك والتي قلما تتعاون بجهود موحدة مع بعضها البعض، فتنمية الموارد البشرية السعودية تدخل في عناصرها جهات حكومية عدة. سوق العمل تتطلب دائماً شباناً وشابات مؤهلين، لو بدأنا في تقويم تجربة وزارة التربية والتعليم وعلاقتها بتهيئة الطلاب للعمل، ما أبرز ملاحظاتك على تجربتها؟ - وزارة التربية والتعليم هي التي تعد الشبان والشابات قبل التخرج من أي مرحلة، إذ تعمل على إعداد الأطفال تربوياً وسلوكياً، والأهم علمياً بتعليم الطلاب مهارة القراءة والكتابة والحساب مع القليل من المعارف والعلوم في المرحلة الابتدائية، وتدريجياً تصل إلى مستوى التحليل الإدراكي للعلوم، ومن ثم تصل إلى مستويات ضعيفة من قدرات البحث والسؤال والتحديث أو التطوير العلمي. ويجب أن نعلم بأن المرحلة الابتدائية هي أكثر المراحل التي يتسرب منها أبناء وبنات الوطن، خصوصاً بعد مرحلة الرابع الابتدائي. بعد التخرج من المرحلة الابتدائية، تبدأ مرحلتان مختلفتان (المتوسطة والثانوية)، كيف تستقرأ واقعهما؟ - بعد المرحلة الابتدائية، تبدأ المرحلة المتوسطة التي تعنى بتعليم الشباب والشابات، وهي مرحلة البلوغ للتحليل الأفقي للظواهر والعلوم ومعرفة فسيولوجية تطور ونمو جسم الإنسان، وتعد هذه المرحلة انتقالية من مرحلة التأسيس للقراءة والكتابة والرياضيات إلى مرحلة التحليل شبه التوصيفي، وتعتبر مرحلة من أدق المراحل تعليمياً، لأن الطلاب والطالبات يمرون بتغييرات فسيولوجية وسيكولوجية عدة تؤثر في نموهم الإدراكي، وبعدها تبدأ مرحلة الثانوية العامة إذ يتعلم الطلاب والطالبات بعمق التحليل ومداخل العلوم والآداب المراد معرفتها وبحدود دنيا لمجارة المجتمع المعرفي والتجاري والصناعي. ومرت تلك المرحلة سواء في المملكة أو عالمياً بتطويرات عدة اذ تدخل صناع القرار السياسي والصناعي والتجاري في ما يجب معرفته للطالب أو الطالبة عند انتهاء تلك المرحلة، وتعتبر تلك المرحلة الفيصل في حصول الشباب والشابات على شهادة الثانوية العامة والتي كانت في يوم من الأيام شهادة الدخول لعالم الوظيفة، خصوصاً في السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي. ولكن هل تلك المراحل أعدت الشباب والشابات لإبراز أفكارهم بمنطق حواري وعلمي (لا أكاديمي) أو تسويق فكرة من الأفكار أو البحث الذاتي أو التحليل والتعلم الذاتي من دون توجيه المعلم أو المعلمة خطوة بخطوة؟ كل هذه الأسئلة تسأل كل عام من أولياء الأمور لمعرفة إن كان مستوى التعليم يحمل أبناءهم للمرحلة المقبلة من حياتهم العملية أو الأكاديمية أو الحياتية بشكل عام. ولكن يبقى السؤال الأهم ما علاقة بقية القبائل (الوزارات) مع منتج وزارة التربية والتعليم؟ وما الإجابة المثلى على سؤالك؟ - إن الإجابة على هذا السؤال الحساس تأخذ أبعاداً عدة، ولكي لا نغضب أحداً من المسؤولين، يجب الإحاطة بأن العديد من الجهات الحكومية ترمي اللائمة على وزارة التربية والتعليم في عدم إعداد جيل المستقبل للمرحلة المسؤولة عنها تلك الوزارة أو الجهة الحكومية. وفي الحقيقة فإن الإعداد لم يدخل في جنباته المنزل الذي يعتبر من أهم الجهات التي تقوم بتهيئة هذا الجيل للنجاح في مشوار المراحل المختلفة من الحياة. لذا المنزل والمدرسة يجب أن يشتركا في تحقيق الهدف نفسه وتعليم الآباء والأمهات لخطة التعليم لكل مرحلة. في الوضع الحالي هل تحقق مراحل التعليم الثلاث الأهداف المنشودة؟ - للأسف فإن مراحل التعليم الثلاث قد لا تحقق الهدف المنشود من الوزارات أو الجهات الحكومية أو الخاصة المختلفة، وعادة ما تصطدم تلك الجهات مع وزارة التربية والتعليم، فعلى سبيل المثال إذا ما نظرنا إلى رضا المجتمع عن المستوى التعليمي لأبنائهم، فإنه يصطدم بالواقع غير المرضي، وعدم وجود البديل في المملكة إلا إذا كان المستوى المالي للوالدين يدعم التعليم النوعي المرضي، وذلك المستوى هو ما تلام به وزارة التربية والتعليم، نظراً لمركزية القرار وتبعية التنفيذ التي أخرجت جيلاً تنفيذياً بحتاً غير قيادي، لذا لا نلوم إن اشتكت العديد من الوزارات والجهات من مخرجات التربية والتعليم. كون وزارة العمل من أكثر المعنيين بالتوظيف، ماذا تتوقع لمستقبل التوظيف من خلالها؟ - وزارة العمل تُواجه بمعوقات فعلى سبيل المثال يتحتم على الوزارة توفير فرص عمل في السنوات العشر المقبلة تتجاوز ما تم توفيره على مدى الخمسين سنة الماضية، كما أن الحكومة وظفت ما يعادل 30 في المئة من سوق العمل، وهي تعتبر نسبة تتجاوز 100 في المئة، وهو حجم ما يتم توظيفه من الحكومة في الدول الصناعية. وفي حين توظف الوزارة ما يقارب 13 ألف سعودي، وذلك يشمل جميع قطاعاتها، إلا أن هذه النسبة أقل بكثير من الواقع، فهي تعكس ما تم تسجيله لدى الوزارة من محولين تم توظيفهم، ولا تعكس من هم على رأس العمل خلال السنة، وعليه فإن هذا الرقم أقل بكثير، إذ إن أفضل إحصاء هو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية التي تستطيع أن تعكس كماً مشتركاً جديداً تم دفع رسوم اشتراكه طوال العام. وفي سوق العمل سنوياً يتخرج من الثانوية العامة ما يقارب 360 ألف طالب وطالبة كل عام (بحسب إحصاءات 2008) وأكثر من ذلك بنسبة 25 في المئة عام 1430ه (2009)، خصوصاً في ظل نسبة نمو السكان بما يقارب 3,5 في المئة، ناهيك عن المتسربين من التعليم الابتدائي والمتوسط والذين يبلغ عددهم 10 في المئة من هذا العدد سنوياً أو متخرجي التعليم الجامعي بمختلف تخصصاته، والذين يبلغ عددهم حالياً 60 ألفاً، وسيزداد خلال السنوات الخمس المقبلة بعد تخرج الأجيال الأولى من الجامعات الجديدة، ما سيتطلب على الوزارة توفير ما يقارب 4 ملايين وظيفة في سوق العمل خلال عام 2017 وقبل عام 2020. هل وزارة العمل مستعدة لمواجهة اعداد سوق العمل لهؤلاء الداخلين؟ - حقيقة إذا ما استقرأنا أن من يتم توظيفهم من خلال وزارة العمل بمختلف قطاعاته، سواء مكاتب العمل أو صندوق تنمية الموارد البشرية أو المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بالقطاع الخاص ومن دون اعداد ديوان الخدمة المدنية في القطاع الحكومي، فإن هذا العدد يعتبر هزيلاً وتنم عنه فجوة أن التوظيف أقل من الداخلين لسوق العمل. وتشتكي غالباً وزارة العمل من أن الداخلين إما يريدون وظيفة حكومية أو ذات راتب عال أو فترة عمل واحدة أو عمل قريب من المنزل، بغض النظر عن القدرات والمؤهلات والرغبات، والأكثر أهمية سلوكيات طالب العمل في كيفية تسويق نفسه وقدراته للمنشآت، إضافة إلى قدرات التفاوض والاحتمال للضغوط الحياتية والإصرار على تحقيق النجاح وعدم اليأس وكيفية تحقيق أي نجاح. وكل تلك الأدوات كانت ناتج وزارة التربية والتعليم التي لم تعد الشباب واقعياً وتجريبياً لسوق العمل أو للنجاح إجمالاً، ولكن للحفظ وللسرد والحقيقة الجميلة للقراءة والكتابة. وتقف وزارة العمل مكتوفة الأيدي تجاه طالبي العمل غير المهيئين لتلك الحقيقة المرة من أساسيات النجاح في سوق العمل.