تُقدم على خشبة المسرح القومي في أمدرمان مسرحية «مأساة يرول» في حالة من الاستقرار قلّما عرفتها الأعمال المسرحية التي عُرضت أخيراً، إذ يتسبب ضعف الإقبال الجماهيري غالباً في إيقاف العروض بعد أيام قليلة من انطلاقها، وعلى رغم أن المسرحية التي كتبها الخاتم عبدالله وأخرجها السماني لوال كانت قدمت في فترة الثمانينات إلا ان مجموعة لافتة من جمهور المسرح تزاحمت لحضورها منذ الليلة الأولى ما حرم حفلة افتتاح «مهرجان أيام البقعة المسرحية» زخمها الجماهيري المعتاد. المسرحية التي تُقدم في غياب مخرجها المقيم في كندا منذ زمن ليس بالقصير، وتوقف مؤلفها عن الكتابة، تنهض على حكاية شعبيّة من جنوب السودان تقول ان قرية «يرول» انقطع عنها الغيث وضربها الجفاف فلجأ شيوخها إلى العراف طلباً للعون، فطلب منهم دفع أجمل فتيات القرية لتذبح تضحية. حوّل الكاتب الخاتم عبدالله هذه الحكاية الشعبية الشفهيّة إلى نص مسرحي مضيفاً إليها بعداً رومنطيقياً إذ ربط الفتاة «يرول» بأشجع شبان القرية في علاقة عاطفية حميمة، كما قدمها في مجموعة من اللوحات كاشفاً عن تعلق أهالي القرية بها عن فيهم «العراف» ذاته. ومما هو تقرّب منا لغيب يتحول تقديم الفتاة الجميلة «يرول» إلى انتقام اسود. فالعراف لن يقبل ان ترفض الفتاة طلبه ممارسة الجنس معها وعندما يلجأ إليه شيوخ القرية لأعانتهم يجدها سانحة للانتقام منها ولدفن ذكرى تحرشه بها، ويرضخ الشيوخ لسلطته ويقدمونها فداءً! عُرضت هذه المسرحية للمرة الأولى في النصف الأول من الثمانينات في أعقاب فرض نظام جعفر النميري (1969 - 1985) الشريعة الإسلامية وبدت حينها، وعلى رغم أنها قُدمت ضمن امتحانات طلاب معهد الموسيقي والمسرح، مسرحية ساخرة رمزياً من خضوع النظام للسلطة الدينية، وخلفت أصداء عدة على مستوى الصحافة الفنية ووجدت تجربة عرض المسرحية في مسابقة أجرتها صحيفة «الأيام» المحلية في ذلك الوقت إقبالاً جماهيرياً كبيراً كسب معه السماني لوال جائزة الإخراج، وفي التسعينات وعقب مشاركتها في مهرجان «نمارق» في الخرطوم أخيراً المسرحية لتقدم في إطار مهرجان للعروض المسرحية العربية الأفضل، وكان أقامه اتحاد الفنانين العرب وشهده المسرح القومي المصري. وهكذا تكون المسرحية هي الوحيدة التي امتدت عروضها من النطاق الأكاديمي إلى الساحة الفنية العامة. آلان يقدم العرض في نسخته القديمة نفسها ولكن في أجواء سياسية شديدة التعقيد تشهد كل يوم إلحاحاً على سؤال «الانفصال» بين الشمال «العربي» والجنوب «الإفريقي» خصوصاً مع قرب موعد الاستفتاء على تقرير المصير بالنسبة لأهل الجنوب «انفصال أو وحدة». ويبدو ان تقديم العمل في هذا الوقت بمبادرة من مؤسسة «كوتو» الثقافية المعنية بتطوير الرقصات الشعبية لقبائل جنوب السودان في مقرها في الخرطوم كان القصد منه طرح نموذج فني للوحدة بين الشماليين والجنوبيين. فالعمل يضم ممثلين من الشمال والجنوب وهو يقدم حكاية شعبية جنوبية «افريقية» ولكن بلغة عربية فصيحة. وربما كان العمل المسرحي الوحيد في تاريخ الحركة المسرحية السودانية الذي يتحدث فيها الجنوبيون بلغة عربية قد يصعب على بعض «الشماليين» الاشتغال بها، إضافة إلى أن مؤلف النص من الشمال ومخرجه من الجنوب!.