زاد الاهتمام العربي بما ينشر على الإنترنت بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وشرع الغرب بتوظيف مجموعة من المستشرقين، خصوصاً في وزارات الداخلية ومراكز البحوث. وبرزت ظاهرة التجسّس المعلوماتي. اذا أردنا أن نأخذ مثالاً على ما يراه الغرب عن المحتوى المعلوماتي العربي، يمكن الرجوع لكتاب «العرب يتحدثون الى العرب» (Les Arabes parlent aux Arabes) الذي يحتوي مقالات عرضت في مؤتمر عن التدوين الإلكتروني عُقِد في فرنسا. جاء في الكتاب:»ان هذا الجيل من المستخدمين العرب يخترع لغة جديدة تكتب بالأحرف اللاتينيّة، وأنّ العربيّة الكلاسيكيّة تطايرت لتترك المكان إلى كلمات أو مصطلحات تعبّر عن حقيقة الحياة العاديّة، وهذا ما أدّى إلى تخطّي الحواجز الإجتماعيّة والجغرافيّة لخلق حوارات لا سابق لها، خاصةً في ما يخصّ المسائل التي كانت حكراً على فئة خاصة من المجتمع». كما طرح هذا الكتاب مجموعة من الأسئلة عن تأثير المعلومات والتواصل على المجتمع العربي، وكيفية ظهور هذه الحقيقة. وسأل: «هل هذه العولمة التقنيّة لوسائط المعلومات ستغذّي أكثر الفجوة الحاصلة، ليس فقط بين الشمال وباقي دول العالم، ولكن داخل الشعوب العربيّة؟ هل ستؤدي هذه الثورة إلى نهضة عربيّة بتحريك الشعب في المنطقة حول الشعارات السياسيّة نفسها؟ أم أنّها ستترك المكان لشعارات أخرى تدين عجز الضمير العربي؟ هل ستؤدي هذه الثورة التقنيّة إلى نشر ثقافة دينيّة معتدلة، أم أنّها ستصبح أكثر تطرفاً في الفتاوى المختلفة؟». وأضاف الكتاب أنّ مراقبة هذه الثورة من قبل الباحثين في كلّ المجالات (اجتماعيّة، سياسيّة، ثقافيّة) تجري غالباً في الغرب، خصوصاً الولايات المتّحدة. وخلص الكتاب الى القول ان الباحثين العرب يخافون من الانترنت، بفعل خوفهم من امتداد الخطاب الوحدوي المتطرّف على الشبكة. وكخلاصة، يعتمد الغرب على تحليل الإنترنت من خلال المُدوّنات الإلكترونية، وخصوصاً السياسية منها، مُركّزاً على ما تحتويه من أخبار مناهضة للنظام في هذا البلد أو ذاك. وتصبّ التحليلات الغربيّة على أنّ الانترنت في العالم العربي تعمل ضدّ الأنظمة. فالمدونات العربية، وهي عديدة، لم يكن لها تأثير فعلي في نشر الثقافة بقدر ما كانت تُرى من قبل الغرب على أنّها أصوات خارجيّة تعبّر عن معارضتها للأنظمة. في المقابل، عندما يهتم العرب بالإنترنت الفرنسي أو ألاميركي مثلاً, فإنهم لا يبحثون عن اخبار المستخدمين الذين يتحدثون عن ساركوزي، او أوباما أو الأنظمة الغربيّة، بل يهتمون بأمور أخرى اجتماعيّة، سياسيّة، ثقافيّة وغيرها. وتملك المفارقة دلالة معرفية تستدعي التفكير فيها. ولا بدّ من القول ان الازمة الثقافية مرتبطة بثقافة التكنولوجيا من جهة وبتكنولوجيا الثقافة من جهة ثانية. وتشير اللغة الانكليزية الى ثقافة التكنولوجيا بمصطلح Technological literacy أي القدره المعرفية في استخدام التقنيات في كل المجالات الحياتية. وفي المقابل، يُفهم من تكنولوجيا الثقافة، ما يتغيّر من المعطيات بأثر من التقنية. أخيراً، يقول ابن خلدون: «المغلوب يقلد الغالب... الغالب يفرض ثقافتة لان المغلوب لا يملك شيئا لكي يقلد». وإذا نظرنا في الصراعات الماضية، نلاحظ أن الغالب ليس بالضرورة غالباً ثقافياً. وعلى سبيل المثال، غلب الرومان الإغريق عسكريّاً، ولكن الحضارة اليونانيّة فرضت ثقافتها وكانت أساس الثقافة الرومانيّة. فهل باستطاعة العرب، بوضعهم السياسي الحالي، أن يؤثّروا في ثقافات الغرب عبر التكنولوجيا؟