تفتحُ صندوقَ الرأي «على طاولة البرنامج» فترى أكثرَ من رأي لأكثرَ من تيار، وتفتح صندوق الرأي «تجاه البرنامج» فترى أكثرَ من رأي لأكثرَ من تيار، وهكذا تكمن الصعوبة في حب هذا البرنامج، الصعوبة حين نشاهد الأشياء التي لا نحبها، - ربما - من أناس لا نحبهم أيضاً! «البيان التالي» ليس إلا نموذج من النماذج التي حبها «هوى صعب»، وذلك حين رسم لكل من تناوله حالة من حالات «التورط» في المشاهدة، أفرز هذا التورط ثقافة «الرجم» بالكلمات، والمناشدات الإسلامية والليبرالية، وهكذا بعض مشاريع الفكر والثقافة في نسيجنا حين تتحول من عاديتها إلى ندرتها، نعجب بها، نتابع أخبارها، ونحن لا نحبها، لا ندري لماذا... لماذا؟ لا ندري! «التنوع» ورقة مهمة محفوظة في ملف البرنامج، وسطر من السطور المدونة في سيرته الذاتية، خلال حلقاته ال «40» الماضية، تنوع لافت يشهد له من رضي عنه، وسخط عليه، ومن لم يرضَ، ومن لم يسخط، فعلى طاولته ترى الامتداد من «الليبرالية» إلى «السلفية»، ومن «الجامية» إلى «الإخوان» و«غير الإخوان»، وهكذا في سباقِ «تياراتٍ» متجهة باتجاه «البيان»، وأضواء الاستديو في كل جمعة تحاصر الرأي والرأي الآخر، ألوان من الأسئلة المُسْكتةِ واللا مُسْكتة، والواعية واللاواعية تملأ دقائق البرنامج. «التنوع» ذاته جاء منعكساً على «البيانات» التي تناولت «البيان»، فالمناشدة من الليبراليين وثيقةٌ لم يتجاوز عمرها الأسبوع، ومعلقةٌ من المعلقات على أستار شبكة الليبراليين السعوديين، احتوت على مناشدة للشيخ سلمان العودة وللقائمين على قناة «دليل» بإيقاف البرنامج، لكون مقدمه من «الفئة التي حفظ حديثين وأعطي برنامجاً وعموداً»، وقبل ذلك مناشدة الإسلاميين الذين وصفوا البرنامج بأنه «أحد معاول الهدم، وأحد أهم الحراب في يد من يحارب الدين». ما الدافع لذلك؟ القول بأن «البيان التالي» استطاع تحريك الأوتار النائمة لدى كلا التيارين قول يلاحظه من يقرأ كلا «البيانين»، ذلك أن الواضح من خطة سير البرنامج أنه يحاول «القراءة» للأفكار هنا وهناك، قراءةً تقتضي إنصاتاً وتأملاً وتساؤلاً، قد يفضي فعل القراءة من «البيان التالي» إلى رد فعلٍ من هؤلاء وهؤلاء، «والبيان» وحده يقول بأنه: لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء! الحديث عن المذيع «للبيان» عندي حديث له شأن آخر، من حيث الشهادة له بالاحترافية في التقديم، والتمهر في إدارة الحوار، فالمذيع - عندي - وإن كان لا يملك «الاحترافية»، ولا لديه «التميز» في التقديم، إلا أنه جعلني تجاه قناعة تفيد بأن التقديم التلفزيوني، وإدارة الحوار البرامجي موهبة كأي موهبة أخرى حين تبدأ بنقطةٍ ُمفلسةٍ، وتنتهي ببئرٍ غنية! إضافة إلى «التورط» الذي أشرت إليه سابقاً حين صنعه المذيع لمن يكره البرنامج، ويحاولُ طردَه من ذاكرته، ومن يوم جُمُعته على الأقل! هل نجح «البيان التالي»؟... البرنامج ليس من شأنه الإجابة، إذ يقتصر على إثارة الأسئلة، والأجوبة تأتيه من هنا وهناك، بحسب ما يمليه المناخ لدينا، الذي بدأ يخبرنا بأننا على الأقل «في الطريق» إلى الوعي، وأن مسرح الفكر لدينا بدأت تضاء أنواره، وأننا باتجاهٍ صحيح إلى فهم ما لم يُفهم من قبل. تحية «للبيان» وأهله في قناة «دليل»، التي اختارت لنفسها أن تكون قصراً إعلامياً مشيداً، لا بئراً معطلة! [email protected]