الرغبة في استعادة نمط الحياة اليومي، بعد عطل مطوّلة ومناسبات أعياد عامة، تصطدم بمرارة مراقبة لوحات الأسعار على المواد التموينية في المتاجر، إذ تضاعف بعضها أضعافاً، وغدا جزء منها بعيداً من متناول بعض الأسر الروسية وحتى عن أحلامها. يتذكر المواطنون الروس البسطاء تصريحات وزير المال اليكسي كودرين المتفائلة، مطلع العام، عندما أعلن بثقة «خروج روسيا من حالة الركود الاقتصادي وانتقالها إلى حال النمو في الاقتصاد»، وبشّرهم بقرب الفرج. ولكن، أين الفرج الموعود والرواتب تنكمش بفعل البرودة القارصة، بينما الأسعار «تتورم» أكثر فأكثر؟ وخلافاً لتوقعات «مركز البحوث الاقتصادية»، التابع لمعهد العولمة والحركات الاجتماعية IGSO، لن تعود، هذا العام، أيام ما قبل الأزمة من ناحية مستوى الأجور. فرواتب الروس تواصل انخفاضها، ويبلغ متوسط الراتب الشهري لطبيب، على سبيل المثال، نحو 11400 روبل (400 دولار)، ومتوسط راتب المدرّس، مع الأخذ بالتفاوت بين المناطق، أقل من 10 آلاف روبل، بينما لا يتجاوز راتب موظفي الخدمة المدنية ضعف هذا الرقم. ولا تزال زيادة أسعار السلع الأساسية تنمو باطراد. فعلى وجه الخصوص، كانت حصيلة العام الماضي زيادة أسعار المنتجات الغذائية عموماً، بنسبة 6 في المئة والمنتجات غير الغذائية نحو عشرة في المئة، كما زادت الضرائب على الخدمات السكنية للأهالي بنسبة 11.6 في المئة. وزادت تعرفة الخدمات الطبية بنسبة 13.9 في المئة، بينما ارتفعت أسعار خدمات التعليم بمستوى أبطأ مرتين تقريباً (8.3 في المئة مقابل 15.8). والأسوأ من ذلك كله أن العام الجديد حمل معه زيادة غير مسبوقة في التعرفة المفروضة على الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة مثل الماء الساخن والكهرباء والطاقة وغير ذلك. بعض هذه الخدمات وصل إلى مستويات تثقل كاهل المواطنين. فعلى سبيل المثال، زادت تعرفة الغاز الطبيعي المستخدم للتدفئة في الشتاء «القاتل» بنسبة 120 في المئة، أما الكهرباء فبلغت نسبة الزيادة على أسعارها 110 في المئة. في المقابل، يبدو الحديث عن حاجات المواطن الروسي البسيطة نوعاً من الترف الزائد، إذ يشير استطلاع، نفّذته مؤسسة «رومير»، إلى أن معظم المواطنين الروس أجاب على سؤال بسيط، هو «كم تحتاج أسرتك في الشهر لتلبية متطلبات الحد الأدنى؟»، بالتأكيد أن أقل دخل تحتاجه أسرة مكونة من ثلاثة أفراد حتى «تدبر أمورها» هو 30 ألف روبل شهرياً، أما الدخل «المعقول، وإن كان ليس مريحاً تماماً، برأي الشريحة ذاتها، فلا يقل عن ضعف هذا الرقم. نينا أم وحيدة عمرها 40 سنة، تعمل في متحف تابع لإحدى المدارس. ابنها عمره 10 سنوات ووالدتها متقاعدة تعيش معهما. راتب نينا الشهري 13600 روبل، وتمنح الدولة مخصصات للطفل تبلغ 300 روبل. أما راتب والدتها التقاعدي فهو 6000 روبل. وعند إضافة ما تحصل عليه العجوز من مساعدات حكومية (تعويض إعاقة)، يبلغ الدخل الإجمالي لهذه الأسرة: نحو 24 ألف روبل. تقول نينا انها تظل «ملحوقة» كل شهر، على رغم كل محاولاتها الفاشلة للتقنين. و «ماذا سنقنن أكثر من ذلك؟ نحن عملياً لا نمارس أي ترفيه باستثناء اشتراكات المتاحف والمسرح للطفل. وهل بات من حقي أن أحرمه حتى من هذا المتعة»؟ لا تبدو نينا متفائلة بالعام الجديد وفي بالها سؤال واحد: كيف يمكن أن تدخر ولو بضع مئات من الروبلات كل شهر تحسباً لأيام سود، أو لبناء خطط متواضعة للمستقبل؟ وتقترح نينا خطة للتوفير: «كي نزيد سعادتنا بعض الشيء، يمكن أن ندخر بعض المال من تقنين الكهرباء فقط... ولذلك أقول، أطفئن الأنوار يا نساء روسيا!