يشي أحدث المؤشرات والتوقعات بأن الوهن يصيب واحداً من أكثر «أسلحة» الكرملين قوة في السنوات الأخيرة. وتكشف بيانات رسمية أن العام الحالي سيكون الأسوأ في تاريخ شركة «غازبروم»، وهي تشهد صعوبات تهدد مكانتها الكبيرة في صدارة شركات إنتاج الغاز الطبيعي وبيعه في العالم. وأوضح تقرير لوزارة التنمية الاقتصادية الروسية، أن نتائج «غازبروم» سجلت أدنى مستوياتها من الصادرات والإنتاج في النصف الأول من السنة، بسبب منافسة المنتجين المستقلين في السوق الداخلية، وهبوط الأسعار وسياسة تقييد الصادرات إلى أوروبا. وتراجع إنتاج الشركة نحو 13 في المئة إلى 209 بلايين متر مكعب، وكذلك الصادرات بالنسبة ذاتها إلى 88.5 بليون متر مكعب. وتوقعت وزارة التنمية الاقتصادية انخفاض إنتاج «غازبروم» إلى 414 بليون متر مكعب هذه السنة، وهو أدنى مستوياته في تاريخ الشركة. كما انخفضت أسعار صادراتها إلى أدنى مستوى منذ العام 2009، وتزداد صعوبات الشركة لاضطرارها إلى خفض الإنتاج مع تقلص الصادرات إلى أوروبا. ولعل هذه العوامل مع هبوط الأسعار والتوقعات بتدني حصة «غازبروم» في السوق الداخلية لمصلحة المنتجين المستقلين للغاز وفي مقدمهم «روسنفت»، تسببت في أزمة مضاعفة أقسى من تلك التي شهدتها عام 2009. ووفقاً لبيانات الشركة استمر تراجع الإنتاج العام الماضي ووصل إلى 444 بليون متر مكعب، علماً أن الشركة أنتجت نحو 555 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي عام 2005. وكشفت البيانات الرسمية أن ثلث الطاقة الإنتاجية لأكبر شركة غاز طبيعي في العالم والبالغة 620 بليون متر مكعب، بات غير مطلوب للتصدير أو الاستهلاك المحلي. ويجمع خبراء على أن سياسات «غازبروم» مسؤولة عن معظم المشاكل، إذ لجأت على سبيل المثال خلال العام الماضي إلى خفض ضخ الغاز إلى أوروبا في ذروة موسم البرد، للحد من تزود أوكرانيا بالغاز الروسي بضخ معاكس من بعض البلدان. وتدنّت مبيعات الغاز إلى أوكرانيا ذاتها في شكل حاد العام الماضي، فيما تخطط هذه السنة لخفض الكمية إلى 7 بلايين متر مكعب مقارنة بنحو 26 بليوناً و33 بليوناً عامي 2012 و2013. وبدأت «غازبروم» زيادة طاقتها الإنتاجية عام 2002، وبنت مخططاتها على أساس بلوغ الإنتاج 680 بليون متر مكعب عام 2020، مع إطلاق مشاريع ضخمة شرق البلاد وفي سيبيريا، بهدف تغطية الاستهلاك الداخلي المتزايد والتوقعات بارتفاع الطلب في أوروبا على الغاز إلى 600 بليون متر مكعب سنوياً بحلول عام 2020، في مقابل انخفاض الإنتاج الأوروبي ما يحتم عليها استيراد نحو 145 بليون متر مكعب سنوياً. وتراجعت صادرات «غازبروم» إلى أوروبا 40 بليون متر مكعب العام الماضي مقارنة بعام 2008 لتبلغ نحو 147 بليوناً، فيما هوت مبيعات الشركة في السوق الداخلية 90 بليون متر مكعب. ويبدو أنها لم تتوقع تجمع عدد كبير من العوامل السلبية في آن، عندما قررت زيادة استثماراتها لرفع طاقتها الإنتاجية وتشييد خطوط للنقل. لكن مخططات مديري «غازبروم» ذهبت سدى بسبب تغيير قواعد تنظيم السوق الأوروبية وظهور موردين جدد، وثورة الغاز الحجري في الولاياتالمتحدة، إضافة إلى العقوبات الغربية على خلفية الأزمة الأوكرانية وضم القرم، فضلاً عن احتدام التنافس داخلياً مع المنتجين المستقلين. وتسببت الظروف الحالية بخسارة استثمارات بعشرات البلايين من الدولارات. وقبل الأزمة الاقتصادية العالمية دعت أوروبا «غازبروم» أكثر من مرة، إلى زيادة الاستثمار في استكشاف حقول جديدة واستغلالها. وواصل صناع سياسة الطاقة في بروكسيل في الوقت ذاته، جهودهم للتركيز على رفع حجم الطاقة المتجددة في ميزان الطاقة الأوروبي. وفي نيسان (ابريل) الماضي، شكا رئيس «غازبروم» أليكسي ميلير في مؤتمر للطاقة في برلين، من عدم جدية المستهلكين الأوروبيين في التعامل مع شركته، بعدما باشرت الإنتاج في حقول «يامال» ومدّت خط أنابيب لإيصال الغاز من هذه الحقول إلى أوروبا. وطالب أوروبا بضرورة «الإجابة والإعلان عن حاجتها إلى الكميات المنتجة أم لا». ويمكن «غازبروم» المراهنة على زيادة طفيفة لصادراتها إلى أوروبا في المستقبل، بسبب تراجع إنتاج الغاز في القارة وليس بسبب ازدياد الاستهلاك، لأن بروكسيل تواصل ضخ الاستثمارات في الطاقة المتجددة. وفقاً لمصادر في الشركة، تشير التوقعات الجديدة إلى أن الصادرات في الجهة الغربية ستحافظ على المستوى الحالي حتى عام 2025. ومن المصائب التي حلت بالشركة، تعطيل الاتحاد الأوروبي مشروع «السيل الجنوبي» والخسائر التي ترتبت من إلغائه والمقدرة بالبلايين من الدولارات، نتيجة شراء «غازبروم» حصصاً في بعض الشركات الوطنية للبلدان التي كان مقرراً مرور الأنابيب عبرها، وكذلك الشركات الهندسية وإنتاج الأنابيب. وما يزيد متاعب الشركة، عدم حسم مصير «السيل التركي»، على رغم الاتفاق المبدئي مع أنقرة وتأجيل القرار النهائي حتى نهاية الخريف المقبل، بسبب الظروف السياسية في تركيا وخلافات حول مساهمة شركة «بوتاس» التركية في المشروع. كما تواجه مخططات «غازبروم» لتحويل إنتاج حقول سيبيريا الغربية نحو الصين عقبات كثيرة، أهمها أن بكين بدأت مراجعة شاملة لسياسة الطاقة، ووقعت اتفاقات ضخمة لاستيراد الغاز من حوض بحر قزوين، ما أرجأ التوقيع النهائي على ما سُمي صفقة القرن بين «غازبروم» والصين. وبعد ثورة الغاز الصخري، اضطرت «غازبروم» إلى التريّث في استغلال حقل شتوكمان المقدرة احتياطاته المؤكدة ب 4 ترليونات متر مكعب، علماً أنها شيدت منصات عائمة أضحت من دون فائدة. وأفادت تقديرات خبراء بأن «غازبروم» أنفقت 2.4 تريليون روبل على الأقل على مشاريع غير مطلوبة حالياً وهو مبلغ يعادل القيمة الترسملية لأسهم شركات النفط الروسية الكبيرة «روسنفت» في بورصة موسكو. وما عمق مشاكل «غازبروم» استخدامها في العقد كسلاح سياسي في يد الكرملين في التعامل مع أوروبا وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق. كما دخلت في مشاريع خاسرة اقتصادياً لخدمة أهداف سياسة بوتين. وفي الداخل، أخذت الشركة على عاتقها مهمات لتلميع صورة روسيا وقيادتها، مثل مشاريع إيصال الغاز إلى المناطق النائية وإطلاق مشاريع عمرانية ضخمة، ومنها منشآت ومرافق لأولمبياد سوتشي الشتوي العام الماضي، إضافة إلى تجهيز البنية التحتية في المنطقة.