تحتضن قاعة «اكسترا» في القاهرة، معرض الفنان حلمي التوني «نفرتاري وأخواتها» عن الفن الفرعوني القديم بأسلوب مميز، ولعل اختيار الفن القديم أفرز تجلياته على فن التوني الذي اكتسبت لوحاته رشاقة وجمالاً مضافاً استلهمه من مخزون هائل من الإبداع والصور والرسوم والتمائم. كما يعكس اختياره جرأة شديدة خصوصاً أن البعض ينتقد أعماله ويعتبرها أعمالاً زخرفية لقربها من الفنون التطبيقية في اتجاهها الى إنتاج أعمال ومنتجات تخاطب الحواس وتقوّيها، وتعتمد على ألوان وتصاميم تجذب المستهلك، واقترابها من تقنيات الترويج الإعلاني، بعيداً من القيم الجمالية الفنية الخالصة التي يفترض أن تتمتع بها اللوحات التشكيلية والأعمال الفنية القيمة. ويتسق أسلوب التوني مع مدارس الفن التشكيلي الزخرفي وبعض ملامح الفن الشعبي، ووضوح تأثير تصميمه لأغلفة الكتب والرسم للأطفال في كتب الأطفال على فنه، ويستخدم الألوان الصريحة ويهتم بالتلوين الكثيف والخط ويسطح الشكل أحياناً، اضافة الى النقوش والرسوم النمطية كالورد والنقاط وأفرع الشجر بأسلوب يحاكي نقش المنسوجات وأوراق الحوائط وهي من سمات الفن الزخرفي. وتوحي الفواصل والأطر التي يرسمها التوني وكأن اللوحة كتاب كبير يصمم غلافه، ما يفسر الانطباعات اللحظوية المجمدة لكثير من لوحاته وكأنها لقطة فوتوغرافية للحظة من الزمن وفي شكل مباغت، ولعل هذه المنطقة من تعبيرية الألوان واستخدام الزخارف والخيال والرموز هي المنطقة التي يلتقي فيها الفنان بالفن الفرعوني الذي اتسم إلى جانب ذلك بصفة وتقنية عالية وإبهار في كل منجزاته الفنية والمعمارية. ومن أجمل لوحات المعرض لوحة «اللقية» التي يستعير التوني فيها الوضع الجانبي في الرسم للقدماء مع إيحاء الحركة مع وضع الساقين والذراعين، إلى جانب التوازن الذي تخلقه كتلة الأسود في خصلة الشعر الأمامية المتدلية وبقية الشعر الذي انساب الى الخلف في مفارقة مع حركة الجسم المائلة ومنحنية إلى الأمام في ثوب أبيض. كذلك لوحة يشرب فيها هدهد ولوحة «ذات الحلق الذهبي» التي تصور وجه امرأة فيها رشاقة الفن الإفريقي وحداثة الفن الفرعوني بحلية، وكحل العين المؤكد برسمته المبالغ فيها. اكتشف التوني بعض أسرار اللغة الفرعونية في الرسم وهو يرسم بأسلوبه، واستفاد من الألوان الأرضية التي استخدمها القدماء. احتفظ التوني في أعماله في المعرض باللون الفخاري للبشرة، واللون الأبيض للفستان، واللون الأسود للشعر، وهي الألوان ذاتها التي اجتمعت في طائر الهدهد الذي ظهر في كثير من اللوحات، ولعلها جملت ولخّصت رسالته التي يحاول البوح بها وتلقينها للمرأة التي يحاول النفاذ اليها بمنقاره الحاد، فهي ملهمته، وهي الأرض التي ينبش فيها بحثًا عن زاده، ويستقرئها مدخولات نفسه، ويبوح لها بما تعلمه من الصفاء والأسرار ولغة تتكلم بلا كلمات.