قال رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أن «الإرهاب الذي نشهده في منطقتنا يلحق إساءة كبيرة بالإسلام والمسلمين، ويعبث بالنسيج الوطني للمجتمعات العربية مهدداً الطابع التعددي والمتنوع الذي طالما عرفت به بلادنا». وإذ دان هذا الإرهاب بشدة، أكد «تصميمنا على التصدي له»، داعياً «المجتمع الدولي إلى مزيد من التنسيق والتعاون من أجل محاصرته وتجفيف منابعه والقضاء عليه». كما دعا «الأسرة الدولية إلى الخروج من موقف المتفرج على المأساة السورية، والسعي الجدي لوضع حد لها عبر حل سياسي يضمن وحدة أراضي سورية ويعيد إليها الأمن والاستقرار، بما يتيح عودة فورية لملايين اللاجئين السوريين المنتشرين في لبنانوالأردن وتركيا وأصقاع الأرض المختلفة». وكان سلام افتتح في عمان أعمال اللجنة العليا اللبنانية - الأردنية المشتركة في دورتها السابعة، والتي توصلت إلى 8 اتفاقات ومذكرات تفاهم لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين ورفع مستوى التبادل التجاري (راجع ص12). وقال: «في وقت تشهد منطقتنا العربية تطورات بالغة الخطورة تعصف بالدول وتهدد وحدتها وتماسكها، وتطاول الشعوب قتلاً وتهجيراً وامتهاناً للكرامات والمقدسات وتدميراً للمقدرات، فإنها تضع بلدينا أمام معضلتين أساسيتين: الأولى النزوح السوري الهائل الذي يعاني لبنانوالأردن من تبعاته وأعبائه، والثانية هي المواجهة المباشرة مع الجماعات الإرهابية التي تمارس القتل، مدفوعة بأفكار تكفيرية غريبة عن قيمنا الدينية والأخلاقية». ورأى «أن مواجهة هذه الجماعات تحتم علينا عدم التهاون في التصدي الأمني المباشر لها، ولكن أيضاً أتخاذ إجراءات عملية من خلال تبني نهج الاعتدال السياسي والانفتاح الثقافي». وقال: «من بين أكثر الأسلحة فاعلية في هذه المواجهة، القضاء على الفقر والجهل اللذين يشكلان البيئة الخصبة التي تنمو فيها الأفكار المتطرفة. وهذا الأمر يرتب على اللجنة العليا في دورتها الحالية، مضاعفة الجهود لإرساء قواعد متينة للتعاون الاقتصادي والاجتماعي تستهدف المواطن الأردنيواللبناني مباشرة لرفع مستواه الثقافي والاقتصادي والاجتماعي». وشدد على أن العلاقات بين لبنانوالأردن «تستند إلى روابط التاريخ والجغرافيا والأخوة، ونأمل بأن ترتقي هذه العلاقات إلى مستويات أعلى». وأشاد «بالمواقف الأخوية للمملكة الأردنية الهاشمية تجاه لبنان، خصوصاً في الملمات، وبالدعم الذي قدمته إلى الجيش والقوى الأمنية لمساعدتها على جبه التحديات التي تواجهنا». وكان سلام وصل إلى العاصمة الأردنية صباحاً في زيارة رسمية ليوم واحد، ورافقه وفد وزاري ضم: أكرم شهيب، رمزي جريج، ميشال فرعون، رشيد درباس، عبد المطلب حناوي، نبيل دو فريج وآلان حكيم. وأجرى سلام محادثات مع رئيس وزراء الأردن عبدالله النسور، ثم عقد الجانبان مؤتمراً صحافياً مشتركاً. وقال سلام: «نحن في لبنانوالأردن نواجه، جراء الأحداث الجارية في جوارنا تحديين بالغي الصعوبة. الأول يتعلق بالنزوح السوري وما يلاقيه من أعباء هائلة على بلدينا في ظل شح المساعدات الدولية، والثاني يتعلق بالإرهاب الذي يتطلب جهوداً استثنائية للتصدي له حفظاً للأمن الوطني». وأكد «أن دماء الشهيد الطيار معاذ الكساسبة شاهدة على وحشية هذا السلوك الإرهابي الذي لا يقبله عقل ولا منطق ولا يقره دين. ونحن في لبنان لم ولن ننسى مواطنينا المدنيين الذين سقطوا في التفجيرات الإرهابية، ولا جنودنا الذين استشهدوا في المواجهات مع الإرهاب، ولن ننسى عسكريينا الأبطال الذين ما زالوا محتجزين منذ سنة لدى الجماعات الإرهابية». وجدد «شكرنا للأردن على وقوفه الدائم إلى جانب إخوانه اللبنانيين، وعلى المساعدة التي قدمها ويقدمها إلى جيشنا وقواتنا الأمنية في مجالات عدة، لتعزيزها وتحسين قدرتها على مجابهة التحدي الإرهابي»، مؤكداً في المقابل «حرصنا الشديد على استقرار الأردن الشقيق الذي كان وسيبقى بإذن الله واحة أمن وأمان». وقال سلام: «نحن في لبنان، وبسبب التداخل المتعدد الأوجه بيننا وبين سورية الشقيقة، قد نكون البلد الأكثر تأثراً بتداعيات المأساة الجارية هناك، سواء على الصعيد الأمني أم السياسي أم الاجتماعي أم الاقتصادي. وآخر نموذج للتداعيات الاقتصادية، هو توقف الصادرات البرية الزراعية والصناعية اللبنانية، إلى الأردن ومنه إلى الخليج العربي، بسبب الأوضاع الأمنية في سورية». وحيا نظيره النسور «الذي لقينا منه كل تجاوب وتعاون لحل مشكلة سائقي الشاحنات اللبنانيين الذين احتجزوا عند الحدود السورية - الأردنية منذ أشهر، وتمت استضافتهم في الأردن ومساعدتهم على العودة إلى لبنان سالمين». وتوقف عند «اللاجئين الفلسطينيين الذين تشهد أوضاعهم اليوم مزيداً من التدهور بسبب تقليص موازنة وكالة «أونروا». ونبه إلى أن «خفض موازنة الوكالة سيودي إلى تراجع مستوى الخدمات التي تقدمها، ما سيترك آثاراً وخيمة على مجتمعات اللاجئين. وأن احتمال تأجيل العام الدراسي في مدارس «أونروا» في لبنان نتيجة العجز المالي، سيضع 37 ألف تلميذ فلسطيني في الشارع وتجميد عمل أكثر من ألفي مدرس». ودعا «الجهات العربية والدولية المانحة إلى المسارعة إلى سد الثغرة المالية في موازنة هذه الوكالة، والتي تبلغ مئة مليون دولار للعام الحالي، وإيجاد حلول مستدامة تضمن استمرارية تمويلها». ورأى «أننا مطالبون بإعادة النظر في كثير من أمورنا، بلم شتاتنا وتوحيد صفوفنا وإعلاء مصالح شعوبنا، ونشر السلم والاستقرار في مجتمعاتنا وزرع قيم الاعتدال والوسطية في صفوف أبنائنا لأننا مؤتمنون على غدهم، وغدهم هو غد هذه الأمة». وشدد النسور على «أهمية التعاون بين البلدين ومتانة العلاقات بينهما»، مشيراً إلى «تأثر لبنانوالأردن سلباً بواقع الأزمة السورية، ما سبب انقطاع المواصلات البرية بين البلدين».