نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لدولة الكويت    مناقشة مجالات التعاون بين المملكة والصين ضمن رؤية 2030    عبدالعزيز بن سعود: مجلس وزراء الداخلية العرب يمثل عمق التحالف الأمني العربي    الأخضر السعودي تحت 20 عاماً يخسر أمام العراق في كأس آسيا    رئاسة الشؤون الدينية تدشن الخطة التشغيلية لموسم شهر رمضان    الكويت تستضيف الأجتماع التاسع لوزراء السياحة    أمير جازان يدشن حملة التطعيم ضد شلل الأطفال ويعطي الجرعة الاولى لأحد الأطفال    سمو وزير الرياضة يتوّج البريطاني "رولاند" بلقب الجولة الرابعة من سباق جدة فورمولا إي بري 2025    ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي    جدة: ضبط 5 وافدين مارسوا أفعالاً تنافي الآداب في مركز مساج    «مرموش» جا يطل غلب الكل    بموافقة الملك.. «الشؤون الإسلامية» تنفذ برنامج «هدية خادم الحرمين لتوزيع التمور» في 102 دولة    رضا: نعمل على انتشار رياضة الجولف    سليمان محمد السليم... في ذمة االه    القوات البحرية‬ ونظيرتها الباكستانية تنفذان رماية بالصواريخ في تمرين «نسيم البحر 15»    2 % معدل التضخم في المملكة.. ضمن الأقل بين دول «G20»    إطلاق خدمة تفعيل نظام دخول الشاحنات للشرقية بمواعيد إلكترونية    الطرق تبدأ استخدام معدة المسح التصويري الرقمي المتحرك    ارتفاع عدد قتلى تدافع بمحطة قطارات نيودلهي ‬إلى 18 على الأقل    مي كساب: تأجيل عرض «نون النسوة» إلى بعد رمضان    بريطانيا تعجل بنشر استراتيجية لتعزيز قطاع الصلب بسبب رسوم جمركية أمريكية    أمير نجران يكرّم مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة سابقاً    آل الشيخ: نعتزُّ بموقف السعودية الثابت والمشرف من القضية الفلسطينية    الكرملين: واشنطن وموسكو تركزان على السلام    انطلاق اختبارات الفصل الدراسي الثاني في مدارس تعليم الرياض    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير روسيا الاتحادية لدى المملكة    جمعية الذوق العام تنظم مبادرة "ضبط اسلوبك" ضمن برنامج التسوق    السعودية تعرب عن دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذها لبنان لمواجهة محاولات العبث بأمن مواطنيه    الذكاء الاصطناعي ودور المترجم البشري    قبيلة "القصادة" تحتفل بزواج الشاب سفر قصادي    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    أمطار رعدية وسيول في عدة مناطق    قمة «IAAPA» في الرياض.. مركز عالمي للوجهات الترفيهية    الأرصاد: الأجواء معتدلة في رمضان    في ختام الجولة 20 من دوري روشن.. الاتحاد يعزز صدارته ل " روشن" برباعية الوحدة    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    قائمة المدعوين ل«الحوار السوري» تثير الجدل    السجن لمدة شهرين للمخرج المصري محمد سامي    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    23 ألف مخالف في قبضة الأمن خلال أسبوع    «نبتة مصاص الدماء» تزهر في روسيا    جبال السعودية حصن فلسطين    تآلف الفكر ووحدة المجتمع    فجوة الحافلات    تحول الإعلانات إلى قوة ناعمة    تكساس تشهد أسوأ تفش للحصبة    843 منافس في مسابقة شاعر الابداع بعنيزة    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    "أبواب الشرقية" إرث ثقافي يوقظ تاريخ الحرف اليدوية    قصة الدواء السحري    بينالي الفنون الإسلامية    احتمالات اصطدام الكويكب 2024 YR4    كود.. مفتاح الفرص    عيد الحب: احتفاء بالمعنى الأزلي للحب    قصة نجاة في الصحراء !    الحيوانات تمرض نفسيا وعقليا    عبدالعزيز بن سعود يزور وحدة العمليات الأمنية المركزية الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار الواقع في «ليالي البانجو»
نشر في الحياة يوم 05 - 02 - 2010

ثمة فتاة مأزومة (مها)، موزعة ما بين حبيبها الغادر، وزوجها البغيض، تنتمي الى عائلة موغلة في التناقض: أب متواطئ، وعم مهووس بابنة أخيه جنسياً، هذا ما نلمحه للوهلة الأولى في رواية «ليالي البانجو» للكاتب المصري الراحل يوسف أبو رية، الصادرة حديثاً عن دار «الشروق» في القاهرة. غير أن هذا ليس كل شيء في الرواية، هو مفتاح الحكاية، ومادتها الخام فحسب، إذ ثمة حضور لطبقات أخرى في المعنى، تتجاوز السطح الظاهري، إلى جوهر النص الخصيب، تتجلى – وباختصار – في محاولة رصد التحولات الحادثة في المجتمع المصري، وأثرها على طبقاته المختلفة. يتناول الكاتب – مثلاً – إحدى الشرائح الطبقية من الإقطاعيين القدماء الذين حددت الثورة ملكيتهم الزراعية، وقد عجزوا عن التواصل مع التحولات الحادة في الرأسمالية العالمية، التي تجلت في مصر من خلال قرارات الانفتاح الاقتصادي عام 1974، ثم حدوث ما عُرف بعملية «الخصخصة» في أواسط التسعينات من القرن المنصرم، فزالت دولتهم، وإن بقي لهم قدر من الحضور المعنوي داخل الريف المصري. وخالد فخر الدين جودت – الحبيب الغادر – ابن هذه الشريحة الطبقية، يتخلى عن الشخصيات المركزية ومنها مها ابنة البرجوازية الصغيرة، ويتعاطى معها بوصفها محلاً للشهوة، وأداة للاستمتاع الجسدي، وهي الرغبة ذاتها التي تعتمل داخل زوجها البغيض سيد عبيد، ابن طبقتها، والمنفصل عنها روحياً، في مفارقة بالغة الدلالة.
تقع مها بين شقي الرحى، فكلاهما (خالد فخر الدين – سيد عبيد) طامع في أنوثتها، وتحيا حالاً من الاغتراب الشامل – بتوصيف ريتشارد شاخت- أي ذلك الذي تفقد فيه قدرتها على الالتحام بالبنية الاجتماعية المحيطة بها، خصوصاً أن «الوسط البيئي» الذي تعيش فيه، مسكون بالتناقضات، غارق فيها. فالأب (مصطفى الشيخ) ولا يخفى ما في الاسم من ترميز، مولع بالعلاقات السرية، يستحضر خليلته المنتقبة (أم كريم) في ليله ونهاره، مخادعاً زوجته المقهورة (أم مها)، والعم الأصغر (حلمي الشيخ). إنه نموذج دال على ذلك التناقض البين، فهو المعلم الفاضل مظهراً، المتهتك الداعر مخبراً، الذي لا يتوانى عن التحرش بابنة أخيه (مها): «وهو بين الناس يظهر ما تخفيه عواطفه، أمام الجميع، حتى مع البنت نفسها يبدو وقوراً، مستقيم السلوك، بحيث لا يدرك الآخرون جنونه بها. أما إذا أتيحت له الفرصة الليلية في غياب زوجته، يمنحها المدة الكافية لإبداء الاستغراق في النوم، ثم بعد حين يمد يده لتجول في حدائق جسدها الغض، بثماره الغنية والمتنوعة» (ص 64).
لا يبدو الأشخاص في «ليالي البانجو» إذاً ممثلين لذواتهم الفردية فحسب، ولكنهم في الأساس، معبرون عن طبقات اجتماعية، وتيارات فكرية تعتمل داخل المجتمع، وتتصارع فيه، ليصبح كل شخص: (سيد عبيد، خالد فخر الدين، مصطفى الشيخ، عاطف أبو الخير) علامة دالة على شريحة بعينها داخل المجتمع.
لا يقدم يوسف أبو رية حكايته دفعة واحدة، بل يمارس لعباً روائياً في تقطيرها للمتلقي، وتقديمها إليه. فثمة مراوحة في الحكي بين لحظتي الاسترجاع والاستباق، وما بين زمن القص الرئيسي، غير أن أزمنة الحكي جميعها تحقق تلك الصيغة الموفورة براهنية أشد (الآن/هنا) وهي تشي بأن ما يدور هو الراهن ذاته، ولا شيء سواه.
يوظف الكاتب ما يعرف بالشخصية الحافزة أو المحركة catalyst character في روايته، بحيث يدفع عاطف أبو الخير بالموقف السردي الراكد إلى الأمام، فبعد أن تختفي مها، ويعجز الأب، والعم عن إدراك مكانها، نرى عاطف، الشخصية الحافزة، يخبرهما عن مكانها، كاشفاً لهما اختباءها في شقة خالد فخر الدين، نافخاً النار في الرماد، وبذا ينتقم من صديقه القديم خالد، ورفيقه في «ليالي البانجو» (حشيشة الكيف)، ليس لكونه تشاجر معه فحسب، ولكن انحيازاً لطبقته: «كما أن هذه العائلة لا ينتمون إلينا». للغة مستوياتها المتعددة في «ليالي البانجو»، فهي تتوزع ما بين اللغة ذات الطابع الإخباري التقريري، والأخرى المجازية.
تفارق نهاية الرواية سؤالها الظاهري «من قتل مها؟» لتتماس مع أفق أكثر خصوبة، لم يعد فيه السؤال غاية في ذاته، بل أضحى وسيلة للنفاذ إلى تعرية تلك العوالم الطاردة، والمتناقضة التي قتلتها: «من الذي قتل مها؟ ظل السؤال معلقاً، ولم يعثر على دليل يقيني حتى اللحظة، هذا حدث كبير بالنسبة لبلدة صغيرة، إن الأهالي يهتمون به أكثر من اهتمامهم بالحروب التي تقع في الدول المجاورة فهو حدث يقع في دائرتهم الصغيرة، حدث نادر لا يتكرر بسهولة». (ص 94).
في «ليالي البانجو»، نرى كتابة تعيد الاعتبار إلى المقولات الكبرى، معيدة إنتاجها عبر عناصر ذاتية، طارحة إياها في إهاب رمزي شفيف، متكئة في بناها على حادثة واقعية، لتطرح من خلالها بعداً أكثر عمقاً، يتجاوز قتل الشخصية المركزية «مها» إلى اغتيال الوطن ذاته؛ حيث تتخذ الرواية من عوالم أبو رية الأثيرة «البلدات الريفية المتاخمة لعواصم الأقاليم» مكاناً مركزياً لها، مراوحة بينها وبين المدينة -القاهرة- المزدحمة، لترصد عبر هذا الفضاء السردي اللافت وضعية أولئك البشر المأزومين في ظل واقع خانق، عابث، ومستبد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.