في القرن التاسع عشر أقنع الفرنسيون ملك مصر بأن بناء قناة تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الحمر ستجلب له المجد. وبعد مرور قرن ونصف القرن يريد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي ترك بصمته على هذا المشروع بتوسيع قناة السويس. لم يعش سعيد باشا، والي مصر والسودان بين 1854 و1863، طويلاً ليشهد تدشين القناة التي افتتحت بعد ست سنوات من وفاته. ولكن التاريخ يذكره بكونه الرجل الذي باع حقوق شق القناة إلى القوى الإمبريالية الفرنسية والبريطانية. القنصل الفرنسي، فرديناند ديليسيبس، كان الرجل الذي أقنع سعيد باشا بمنحه امتياز حفر القناة. وكانت قناة تربط النيل بالبحر الأحمر حفرت في العصور القديمة، لكن تم تركها منذ زمن طويل. غير أن القنصل الفرنسي صاحب الشارب الكثيف، أراد نفض الغبار عن القناة مجدداً بإقناع الملك الشاب منحه الامتياز بعد أن تمكّن ديليسيبس من كسب صداقة الباشا. ولأن سعيد باشا كان بديناً، أثار ذلك استياء والده محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة والخبير في الإستراتيجيات العسكرية، ففرض عليه برنامجاً رياضياً مكثفاً. لكن أصبح سعيد مشهوراً «بسبب سذاجته التي قادته إلى توقيع تنازل ضار»، واضعاً بلاده، التي كانت خاضعة للحكم العثماني في تركيا، تحت مقصلة الديون الخارجية. فالقناة التي حفرتها شركة قناة السويس التابعة لديليسيبس والتي افتتحت في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1869، كلفت المصريين كثيراً. آلاف العمال قضوا خلال أعمال حفر القناة. وفي العام 1882 غزت بريطانيا العظمى مصر خوفاً من سيطرة الزعيم الوطني أحمد عرابي على القناة والامتناع عن دفع ديون البلاد. وانسحب البريطانيون في نهاية المطاف حين كانت سلالة سعيد باشا في الحكم، لكنهم تقاسموا استغلال القناة مع الفرنسيين، ما أغضب في ما بعد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. استلم عبد الناصر السلطة في العام 1954، بعدما قاد إنقلاباً ضد نظام الحكم الملكي في العام 1952. ومثل أي زعيم مصري، كان السد العالي (سد أسوان) المشروع الذي أراد عبد الناصر أن يترك بصمته عليه. لكن الرئيس العروبي واجه صعوبة في الحصول على تمويل خارجي، خصوصاً أن بريطانيا وفرنسا رفضتا ذلك بسبب دعمه للاستقلاليين في الجزائر وموقفه العدائي تجاه إسرائيل. كانت حينها عائدات قناة السويس تذهب إلى خزائن لندن وباريس. وفي 26 تموز (يوليو) 1956، قال عبد الناصر خلال توجيهه خطاباً إلى الأمة، إنه التقى رئيس البنك الدولي يوجين بلاك في محاولة للحصول على تمويل للسد العالي في أسوان. «بدأت أنظر إلى مستر بلاك، الذي كان يجلس أمامي على الكرسي، وكنت اتخيل أنني أجلس أمام فرديناند ديليسيبس»، وبذلك لفظ عبد الناصر «كلمة السر» لتبدأ عملية تأميم القناة. مع نطقه لاسم القنصل الفرنسي أعطى عبد الناصر ضوءاً أخضر لقواته التي كانت تنتظر إشارة لاستعادة السيطرة على القناة وتأميمها وتحويل عائداتها إلى الخزانة المصرية لتمويل السد العالي. ثم اتفقت بريطانيا وفرنسا الغاضبتان من التأميم، وبدعم من إسرائيل، على خطة عسكرية تسمح لإسرائيل بغزو مصر وتوفير ذريعة لباريس ولندن لإرسال قوات للفصل بين الأطراف المتحاربة، لكن الهدف الحقيقي كان استعادة السيطرة على القناة. بدأت العملية التي تعرف ب «العدوان الثلاثي» على مصر في تشرين الأول (أكتوبر) 1956. لكن الولاياتالمتحدة، وخوفاً من مواجهة أكثر خطورة مع الاتحاد السوفياتي، قدمت دعمها لعبد الناصر، ووضعت حداً للحرب.