عند الحديث عن مدينة الرقة السورية، لا يذكر سوى أنها تقع في المنطقة الشمالية الشرقية من سورية. يشتهر أهلها بالزراعة لتوافر مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة لذلك. غير انه لا يتم التطرق أبداً إلى كنوزها السياحية التي لا تزال شامخة وشاهدة على أهمية الرقة. إذ إن هذه المدينة تمتلك كل المقومات السياحية التي تؤهلها لتتربع على عرش العالمية سواء من خلال مكوناتها الأثرية أو معالمها التراثية. للرقة موقع استراتيجي مهم، فهي تتوسط المحافظات السورية الشمالية والجنوبية، ولها بوابة حدودية مع تركيا «تل أبيض»، وفيها بحيرة الأسد وقلعة جعبر وباب بغداد والجامع العتيق وقصر البنات والتلال الأثرية والكهوف وغيرها. ولها سور معروف بسور الرقة الأثري الذي يعتبر مصدراً حيوياً للسياحة الشعبية. «حتى الآن، لا يزال سور الرقة الأثري شاهداً على قدم هذه المدينة، غير أنه لم يستغل سياحياً على غرار سور الصين العظيم الذي يقصده السيّاح من أصقاع الأرض»، كما يقول يزيد العابد الطالب في قسم التاريخ في جامعة الفرات السورية. وكما هي الحال بالنسبة الى المدن السورية الكبرى كدمشق وحلب، والتي تمتاز باحتوائها على أضرحة ومقامات، ما يجعلها قبلة السيّاح، كذلك هو الأمر في الرقة حيث للسياحة الدينية دور كبير في اكتظاظ المواقع بسيّاح عرب من مختلف البلدان. ذلك انها تحتوي على مقام الصحابي الجليل عمار بن ياسر ومقام أويس القرني وغيرهما. وما يميز الرقة هو جريان نهر الفرات في أراضيها، علاوة على ذلك، فهي تحتوي على واحدة من أعذب البحيرات في العالم «بحيرة الأسد». وتتوزع على طول مجرى النهر تسع عشرة جزيرة نهرية (الجزر الفراتية) منها جزيرة عابد. غير أن هذه الكنوز لا تستغل سياحياً أو ثقافياً، حيث تغيب المنشآت السياحية والفنادق الفخمة والمطاعم الشعبية على ضفاف النهر والبحيرة، وكذلك لا يوجد اهتمام بالشواطئ الرملية المتوافرة هناك. «الآثار وحدها لا تكفي لجذب السائح الذي يهمه أن يجد مكاناً نظيفاً ومريحاً يسكنه أثناء جولته السياحية، ولو تنبّهت الجهات المعنية إلى الجانب الترفيهي لتمكنت من جذب الملايين من المصطافين من خلال تنظيم سباقات الزوارق النهرية التي تعتبر من أهم مصادر الدخل السياحي لدى بعض الدول»، على حد تعبير صهيب نعمان من سكان مدينة الرقة. ويرى بعضهم أن لتنظيم الرحلات، على غرار رحلة من توتول إلى ماري، دوراً كبيراً في إحياء ممرات مائية قديمة من شأنها أن تزيد الاهتمام بالنهر والتطلع إليه بعيون استثمارية واعدة. ما سبق ذكره عن كنوز الرقة الأثرية ما هو إلا غيض من فيض، إذ إنها تمتاز باحتوائها على أول مسكن في التاريخ في موقع «مريبط» الذي يعود إلى الألف التاسع قبل الميلاد، ومملكة توتول في تل البيعة التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. لقد اجتذبت هذه المملكة أنظار أمم وملوك أعجبوا بها مثل الإسكندر المقدوني الذي أسس فيها مدينة نقفوريوم عام 244 ق م، وفي عام 466 ميلادي عرفت الرقة بمدينة ليونتوبولس في عهد الإمبراطور البيزنطي ليون. وتطورت المدينة خلال الحكم العباسي وازدهرت، وقد بنيت «الرافقة» (المدينة القديمة من الرقة) على يد الخليفة أبو جعفر المنصور. ومع أن الحكومة السورية أصدرت أخيراً جملة من التسهيلات من أجل تشجيع الاستثمار في المناطق الشمالية الشرقية، منها مثلاً مرسوم لإعفاء الاستثمارات الخاصة في تلك المناطق من الضرائب لمدة عشرة أعوام، وكذلك اعتماد مبدأ النافذة الواحدة One stop Shop التي تقوم على فكرة إنشاء مكتب في مكان ما يوجد فيه موظفون من قطاعات الدولة المختلفة من أجل تسهيل الإجراءات لترخيص مشروع بدلاً من الذهاب إلى كل وزارة على حدة. كما تم إصدار خريطة للاستثمارات في سورية من أجل التعرف على الفرص الاستثمارية المتاحة. غير أنه حتى الآن لا يوجد استثمار حقيقي في ما يخص السياحة هناك، على رغم إعلان مدير سياحة الرقة، فيصل الحسن، في حديث لوكالة «سانا» السورية أنه سيتم في هذا العام افتتاح فندقين ثلاث نجوم، الأول بطاقة 106 أسرة و296 كرسي إطعام، والثاني على ضفاف نهر الفرات بطاقة 50 سريراً و226 كرسي إطعام. إلا أن تلك المنشآت تبقى خجولة بالنسبة الى مدينة تنعم بكنوز سياحية كبيرة. وأشار الحسين إلى تزايد عدد زوار مدينة الرقة السورية خلال عام 2009، وبلغ عدد القادمين عبر بوابة «تل أبيض» خلال النصف الأول من العام الحالي 47773، في حين بلغ عدد المغادرين خلال الفترة نفسها 49308. وبما أن أعداد القادمين في تزايد مستمر، فلا بد من الإسراع في وضع المنشآت السياحية قيد التنفيذ لكي تصبح المدينة كمقصد سكني وليس كممر عبور للسائحين فقط.