مدينة الطائف... المصيف السعودي الأول، تشهد «شبه يومياً» اشتباكات ومواجهات يُستخدم فيها السلاح الأبيض والأسود والركل والضرب حتى الموت أحياناً. من القصص المأسوية التي صحا عليها أهل الطائف وسكان المملكة أخيراً، ما أقدم عليه أب يبدو أنه «مجنون» من قتل لأبنائه الثلاثة، بسبب خلاف بينه وبين زوجته «المكلومة». أزقة تلك المدينة التاريخية، الجديد منها والقديم، تكتظ بأخبار اشتباكات وخلافات، أبطالها من أهلها وسكانها، وكأنّ الرجولة لا تكتمل إلا بدخول صولات من المعارك، وإشهار الأسلحة حينما يختلف أحدهم مع الآخر، لكي يثبت مدى قوته وشدة بأسه. لم تشأ هذه المدينة «الباردة» أن تخفّض حرارة سكانها «المرتفعة»، وتتخلص من طبيعة العنف، وتغيّر من طباع سسيولوجية وسيكولوجية تميل إلى العنف أحياناً. تلك المدينة«البيضاء» التي يشرب أهلها ماء الورد، ويأكلون خضراوات وفواكه طازجة من أشجار البساتين، ويتفننون في طبخ «السليق» ما زالت تراوح ثقافة بعض سكانها محلها، على رغم تغيّر ثقافة مدن ومحافظات من حولها نحو التسامح والصفح وتجاوز الأخطاء. في الطائف... ابن البادية لا يزال حاد المنطق، ولا يحبذ حلاً دون حلوله الشخصية، وتقويمها وفق مفهوم القبيلة أولاً. وأبناء الجبل يعانون من حدة في المزاج، ولا يقبلون أنصاف الحلول. وأبناء الحاضرة وجدوا أنفسهم بين فريقين، فأصبحوا أكثر شراسة من بدوي وقروي. ثقافة بعض المنازل والمدارس والشوارع في الطائف لم تتغيّر، ولم تتأثر بعوامل التعرية الزمنية والعولمة، إذ ما زالت تحافظ على ضرورة استخدام القوة تجاه القوة. الطائف... ترفع شعار «هلا هيل عداد السيل»، ويطلق عليها البعض «مدينة المتقاعدين»، فيما يسميها سكان المملكة ب«المصيف اللطيف»، وهي مدينة ورد وشوك وتاريخ. والطائف بحسب المؤرخين تعود إلى ما قبل ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، فهي واحدة من أقدم مدن العالم، وهي جارة مكة والمسجد الحرام، وآثارها التاريخية لا تزال شواهد حيّة تحمل روح الأسطورة. كانت لمدينة الطائف عند خلفاء المسلمين مكانة في العصور الأولى، ونقل عن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان قوله عن واليه على الطائف سعيد بن العاص إن «أنعم الناس عيشاً يقيظ بالطائف، ويشتي بمكة، ويتربع بجدة!». قبل فترة فاجأ شخص زميله بطلقات عدة في صدره، لمجرد الاختلاف على طريقة إدارة الأخير للعمل، وقبل ذلك بفترة شاب آخر يقتل خاله (شقيق والدته)، لمجرد خلاف عائلي عادي. في مشهد شبه يومي «يتهاوش» طلاب عند بوابات المدارس حباً في تجريب معارك «العصي» و«السكاكين»، فيما يهشّم آخرون زجاج سيارات معلميهم بنزق. نوع من «البلطجة» التي تحتاج إلى وقفة حازمة، لكبح مثل تلك الممارسات العدوانية، حتى يتعظ البقية الباقية، ويبتعدوا عن الجنوح إلى العنف واستخدام مبدأ القوة. قبل أشهر كتبتُ مقالة بعنوان: «السعوديون وظاهرة العنف»، ودعيت الجهات الرسمية المعنية إلى إيجاد حلول ناجعة لمواجهة هذه الظاهرة، التي لا يزال البعض يرفض اعتبارها «ظاهرة»، على رغم كثرة حوادث القتل والجرائم الجنائية في الفترة الأخيرة. هناك جرائم جنائية ترتكب في مدن سعودية، لمبررات وأسباب «تافهة» لا يمكن تبريرها نفسياً واجتماعياً، وهو ما يتوجب من الجهات الرسمية المعنية مواجهة مثل تلك المشكلات والحد منها بدرسها أولاً، وإيجاد الحلول الكفيلة بوقفها ثانياً. المسؤولية مشتركة، وهناك ضرورة وطنية للتوعية من مخاطر الجنوح إلى العنف، وحمل الشباب للسلاح الأبيض، لذا يتوجب حض الأسر على تعويد أبنائها على ثقافة التسامح والتجاوز، وتفعيل دور الضبط الاجتماعي، والابتعاد عن العصبيات القبلية و«الحَمِيَّة» الخاطئة، لانعكاساتها السيئة على الفرد والأسرة والمجتمع. [email protected]