جلس ياسين (28 سنة) قرابة الساعتين في مركز شرطة في محافظة القيروانالتونسية ينتظر استلام جواز سفره. يعمل ياسين تقني صوت في قناة تلفزيونية خاصة، وأثارت لحيته الكثيفة شكوك رجال الأمن الذين أمطروه بأسئلة حول مدى تعاطفه مع الحركات المسلحة ومدى التزامه الديني، ليتحول إجراء روتينياً إلى جلسة استنطاق غير معلنة، قبل أن يطلب منه العناصر تشذيب لحيته حتى يتجنّب المتاعب مستقبلاً. دوّن ياسين تفاصيل «الحادثة الغريبة» على صفحته في «فايسبوكك، وقال إن لحيته الكثة جعلته عرضة لاستجواب طويل من دون توجيه أي تهمة مباشرة له، في بلد ما زال يعيش تداعيات عملية إرهابية سقط فيها حوالى أربعين سائحاً في محافظة سوسة الساحلية. واتخذت الحكومة على إثرها إجراءات وصفها البعض بالمبالغ فيها والقاسية، مثل منع السفر إلى بعض البلدان لمن هم دون ال35 سنة إلا بتصريح أبوي، وإغلاق بعض الجوامع الخارجة عن سيطرة الدولة. وتعرضت الإجراءات الحكومية العاجلة لانتقادات من أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية، وبخاصة تلك المتعلقة بمنع السفر لمن هم دون ال35 سنة، والتي بررتها الحكومة بأنها تهدف إلى الحد من تدفق المقاتلين التونسين إلى سورية عبر تركيا. ورأوا أن هذا الإجراء حرم الكثيرين من الذهاب إلى تركيا التي تُعتبر أكثر وجهة يقبل عليها التونسيون للسياحة والتبضّع في ظل عدم فرض تأشيرة دخول بين البلدين. وعرضت ممثلة منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تونس آمنة القلالي شهادات لتونسيين ما دون ال35 سنة، منعوا من السفر من دون تصريح أبوي، واعتبرت أن هذا الإجراء «فضفاض لا مبرر له»، وأنه يشكل «انتهاكاً للقوانين التونسية والدولية». ومُنعت رباب (28 سنة) من السفر إلى تركيا لمتابعة مقرر دراسي صيفي، بسبب عدم حصولها على تصريح خاص من والدها. وكان مبرر المنع هو الخوف من انتقالها إلى سورية عبر تركيا. وعلى رغم محاولاتها الكثيرة، عجزت رباب عن إقناع مسؤولي الجمارك بضرورة سفرها. الأمر نفسه حصل مع مطّلب (25 سنة) الذي كان يحاول السفر إلى السعودية، لكن تم استجوابه في نقطة الجمارك، وطُرحت عليه أسئلة من نوع «هل تصلي أم لا؟»، و«لماذا تطلق لحيتك؟». وقال في شهادته إنه عُومل بنوع من الخشونة بعد رفضه الإجابة، وتم تمزيق تذكرته، ليعود بعد أسبوعين حاملاً معه تصريحا أبوياً، مكّنه من السفر. ولم تمنع شهادات الممنوعين من السفر، والانتقادات التي وجهتها الهيئات الدولية الحكومة التونسية من المضي في قرارها غير المُعلن، على رغم تأكيد وزارة الداخلية أن المنع غير موجود، وإنما هو نوع من تشديد إجراءات السفر نحو بلدان بعينها، مثل ليبيا وتركيا والمغرب وصربيا، وذلك لتجنّب الالتحاق بجبهات القتال في سورية والعراق وغيرها. وعرضت إذاعة «اكسبرس اف ام» شهادات لمجموعة من الشباب التونسيين دون سن ال35 تم منعهم من السفر، ما أثار ردود فعل مستنكرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وصلت إلى حدّ المطالبة بالتظاهر لإرغام الحكومة على مراجعة هذا الإجراء. ولم تقف القرارات الحكومية عند تشديد إجراءات السفر، إذ جرى عزل بعض أئمة المساجد الذين وُصفوا بأنهم أصحاب خطاب متشدد، كالشيخ بشير بن حسن، وأمين عام حزب التحرير رضا بلحاج، إضافة إلى إقفال بعض المساجد الخارجة عن سيطرة الدولة بالقوة، وسط تباين حاد في المواقف بين مُبارك لمثل هذه القرارات، وبين رافض لما اعتبروه سياسة إقصاءً وعودة إلى الوراء. ومع فرض حالة الطوارئ في البلاد، تحوّل كل مواطن إلى مشتبه فيه، بخاصة إذا كانت له لحية أو أراد السفر إلى تركيا جسر العبور الأول للقتل في سورية.