فتح قرار الإمارات بتحرير أسعار الوقود بداية من شهر آب (أغسطس) المقبل، الباب أمام التساؤلات في بقية دول الخليج عن إمكان اتخاذ قرارات مماثلة، خصوصاً مع تسريبات عن توجه لتحرير أسعار الوقود كما فعلت الإمارات، أو وقف الدعم «التدريجي» لأسعار الوقود، حتى الوصول للتحرير الكامل. وأكد اقتصاديان ل«الحياة» أن التفاوت الكبير بين دول الخليج سيؤدي لفجوة كبيرة بين الدول، وستنشط معها عمليات تهريب الوقود ما سيضر بمصالح الدول مجتمعة، مبينين في الوقت ذاته أن المؤشرات تدل على أن الدول الخليجية تدارست هذا الأمر فيما بينها وتعتزم الدول جميعها تحرير أسعار الوقود بنسب ومدد زمنية متفاوتة. وقال الاقتصادي محمد العمران، إن دول الخليج بصفتها من الدول الكبرى المنتجة للنفط تدعم أسعار الوقود ليباع لمواطنيها بأرخص من أسعار السوق العالمية، وذلك كدعم للمواطنين، مبيناً أن الدراسات أثبتت أن دول الخليج تقدم أرخص الأسعار في العالم للوقود، وهذا عبر الدعم الحكومي، وتأتي المملكة على رأس الهرم في أقل الأسعار. وأشار إلى أن الفارق السعري حالياً بين دول الخليج خلق فجوة تأتي لمصلحة المواطن السعودي، وستتسع الفجوة مع تحرير الإمارات لأسعار الوقود، مضيفاً: «دول عدة تدرس تحرير أسعار الوقود وربما بطرق متفاوتة، فقرار الإمارات بالتأكيد سيجذب بقية دول الخليج لتنفيذ قرار مماثل». وأكد العمران أن الفجوة التي ستحدث، ستخلق مشكلة كبرى لبعض الدول وخصوصاً السعودية، إذ تعاني منذ أعوام وستعاني الآن أكثر من عمليات تهريب الوقود وستتشكل عصابات تتبع خططاً أكثر مهارة للتهريب، ما سيشكل ضغطاً على حكومة المملكة. وأبان العمران أن حكومة السعودية تدرس منذ أعوام عدة رفع أسعار الوقود لتخفيف الزحام المروري ورفع ثقل كبير واقع على كاهل الدولة بتدعيم الأسعار، مضيفاً: «هذه الدراسات والآراء تطرح منذ أعوام، ولكن ما يؤجل الأمر هو كيفية التعويض عن رفع الأسعار، ومن الممكن أن يكون برفع الرواتب أو على شكل حزم مساعدات غير مباشرة للموظفين وللمستفيدين من الضمان الاجتماعي، وربما لن تنتظر الدولة انتهاء مشاريع الطرق والقطارات لتنفيذ هذا القرار، والذي إن أتى سيكون بشكل تدريجي غالباً». وشدد العمران على أن المصلحة في فك دعم أسعار الوقود تعود في نهاية الأمر للدولة، على رغم الارتفاع المتوقع للسلع التي تعتمد على النقل والتي سيتحمل كلفتها المستهلك في نهاية الأمر. من جهته، قال الكاتب الاقتصادي فضل البوعينين، إن مراجعة دعم الوقود أمر يبدو أنه تمت مناقشته والاتفاق عليه على مستوى دول الخليج منذ فترة، إلا أن تطبيقه ربما تأخر لاعتبارات مختلفة، ومنها البدائل المتاحة وآلية تعويض الشريحة المتضررة من رفع الدعم. ومن الناحية الاقتصادية لتطبيق هذا القرار، قال البوعينين: «تعتمد الكفاءة الاقتصادية على التقويم العادل لمدخلات الإنتاج، ومنها سعر المشتقات النفطية، كما أن الدول تتخلص من تبعات فواتير الدعم الباهظة التي تتحملها من أجل توفيرها بأسعار مناسبة ومتوافقة مع الدخل، غير أن هدر الطاقة يتسبب دائماً في مراجعة أسعارها بقصد الترشيد». وأوضح أن الحكومة السعودية لم تسارع لتغيير سعر المشتقات النفطية، بل توجهت لتحقيق كفاءة الطاقة من خلال وضع معايير ومواصفات للأجهزة والمصانع المستخدمة من القطاعين الصناعي والسكني، وهذا يساعد في خفض استهلاك الطاقة عموماً، وإذا أخذنا في الاعتبار أن القطاع الصناعي بما فيه محطات الكهرباء هو الأكثر استهلاكاً للطاقة والمشتقات النفطية، فإن تطبيق القطاع لمعايير كفاءة الطاقة سيسهم في خفض استهلاك النفط ومشتقاته محلياً. وتابع: «السعودية بصدد تقليص الاستهلاك المحلي، وهي بدأت في تقليص الهدر من خلال تحقيق كفاءة الطاقة وتطبيق المعايير العالمية على المركبات والأجهزة الكهربائية والمصانع وبما يخفض الاستهلاك ووقف الهدر». واعتبر أن رفع الدعم التدريجي عن المشتقات النفطية هو جزء من العمليات الهادفة إلى ترشيد الاستهلاك، ووقف الهدر، إضافة إلى تقليص الفروقات السعرية بين دول الخليج وبما يسهم في الحد من تهريب المشتقات النفطية، مضيفاً أن فاتورة دعم الطاقة باتت مرتفعة، وعلى رغم أنها غير موجهة للمحتاجين بل تذهب للمقيم الأجنبي قبل السعودي وللغني قبل الفقير، لذا لا بد من تحقيق الدعم الذكي للطاقة الذي يصل لمستحقيه مباشرة. وأشار إلى أن أي تقليص لدعم الوقود سيؤثر سلباً في كلفة الإنتاج وبالتالي سيؤدي إلى غلاء المعيشة، وهذا أمر يجب التنبه له ومراعاته قبل اتخاذ أي قرار قد تكون آثاره الجانبية أكثر من فوائده، معرباً عن اعتقاده بأن التركيز على القطاع الصناعي والاستثماري والتجاري الأكثر استهلاكاً للطاقة هو الأفضل، وخصوصاً ما يتعلق بدعم الغاز للمصانع الذي يمكن في حال مراجعته تقليص جزء كبير من فاتورة الدعم الحكومية. وأضاف: «هناك آليات مختلفة يمكن انتهاجها حين مراجعة أسعار الوقود، ومنها تحويل جزء من قيمة الدعم لمصلحة السعوديين من خلال رفع الرواتب والأجور، أو تحديد عدد المركبات التي يمكن أن تحصل على الوقود المدعوم من خلال تحديد مركبة واحدة فقط لكل مواطن وإن امتلك عدداً أكبر من السيارات، وتصنيف ملكية السيارات بين السعوديين والمقيمين وهذه تحتاج إلى قاعدة بيانات وآلية ربط مع محطات الوقود كما يحدث في بعض دول العالم، أو الاعتماد على بطاقات الدعم الذكية، وغيرها من الأمور. وأكد أنه من المهم التفكير الجدي في الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة، مثل الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء كجزء رئيس من برامج خفض الاستهلاك المحلي من النفط، على أساس أن قطاع الكهرباء يستهلك الحجم الأكبر من النفط حالياً، كون الطاقة الشمسية ستقلص حجم استهلاك النفط وستزيد من حجم الطاقة الكهربائية المتاحة وستقلص من التلوث وستوفر بدائل مستدامة للطاقة، كما أنها ستوفر قطاعات استثمارية جديدة وتفتح آفاقاً تقنية محلياً. وتشير تقديرات إلى أن حجم الدعم السنوي لقطاع الطاقة في المملكة خلال العام الماضي 2014 تجاوز 300 بليون ريال، وفق أرقام الوكالة الدولية للطاقة، كما يضع الاستهلاك المحلي للنفط والمشتقات النفطية في السعودية من ضمن أكبر 10 دول مستهلكة للنفط في العالم.