أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، قبل ايام، رفع الدعم الحكومي عن أسعار الجازولين والديزل المحلية، اعتبارا من بداية شهر أغسطس، أي بعد اقل من اسبوع. ولقد أوضحت وزارة الطاقة الاماراتية في بيان لها أن "سياسة التسعير الجديدة ستخضع للمراجعة الشهرية"، وستحدد على أساس الأسعار العالمية. ويجمع المراقبون ان من شأن تخفيض الدعم تخفيف الضغط عن الموازنة الحكومية، وربما يكون من أكبر الإصلاحات الاقتصادية التي تشهدها الإمارات بالسنوات الأخيرة. والجدير بالذكر ان دعم دولة الامارات للوقود هو الاقل في دول الخليج العربية، وسوف تتيح هذه الخطوة الاستراتيجية لحكومة الامارات توفير مليارات الدولارات لدعم ميزانيتها خاصة مع الانخفاض الحاد في اسعار النفط العالمية والايرادات الحكومية. وكان صندوق النقد الدولي أشار في تقرير صدر مؤخراً حول الدعم الحكومي للوقود إلى أن الامارات تخسر 29 مليار دولار سنويا نتيجة دعم أسعار المنتجات النفطية والكهرباء. وسوف تعقد لجنة خاصة اجتماعا قريباً لإعلان الأسعار الجديدة للوقود والديزل، على أن تعقد اجتماعات مشابهة شهرياً لمراقبة تأثير رفع الدعم على سكان الامارات. وفي نفس السياق، فقد بدأت دولة الكويت في بداية هذا العام بيع الديزل والكيروسين بأسعار السوق، لكنها أبقت الدعم على أسعار الكهرباء. وأعلنت كل من البحرين وسلطنة عُمان اللتين تعانيان من عجز بالموازنة أنهما ستخففان من إجراءات الدعم خصوصا المنتجات النفطية. وتعد المملكة اكبر دولة عربية في دعم الوقود، وتستهلك المملكة حالياً اكثر من 4.2 مليون برميل نفط مكافئ باليوم من نفط وغاز لتوليد الطاقة وكوقود للمركبات، وتصنف المملكة ضمن اكبر خمس دول في العالم في استهلاك النفط. والاهم من ذلك ان نمو استهلاك المملكة السنوي للنفط لا يفوقه الا النمو في الصين، حيث ينمو استهلاك الصين سنوياً بحوالي 350 الف برميل، والمملكة 250 الف برميل باليوم، وهما يشكلان حوالي 60% من اجمالي النمو السنوي العالمي في الطلب على النفط والبالغ حوالي مليون برميل باليوم. ولا شك ان هذه الأرقام تعطي إشارة واضحة إلى ضخامة حجم الهدر الذي تتعرض له الثروة الاقتصادية الأولى للمملكة، وهي نتيجة طبيعية لعدم وعي الأفراد وعدم استشعار المستقبل، بالاضافة الى انخفاض أسعار مشتقات النفط في السوق السعودية مقارنةً بالأسعار العالمية. ويقدر معدل استهلاك الفرد في المملكة من البنزين بأكثر من 950 لتراً سنويا، ويُعتبر من أكبر معدلات الاستهلاك السنوي للبنزين للفرد في العالم. واداركاً منها لأهمية إدارة الاستهلاك والتحكم به، فقد شرعت المملكة في العمل على رفع كفاءة استخدام الطاقة بكافة أنواعها بإنشاء المركز السعودي لكفاءة الطاقة بموجب قرار مجلس الوزراء في شهر ذي القعدة لعام 1431ه، بهدف ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة بالمملكة وتوحيد الجهود بين الجهات المعنية، معبراً عن اهتمام الدولة بإيجاد حلول عملية لمواجهة الاستهلاك المتنامي. وفي نفس الاطار، فقد حدد المعيار السعودي لاقتصاد الوقود في المركبات الجديدة هدفاً استراتيجياً له، وهو تحسين معدل اقتصاد وقود المركبات الخفيفة المستوردة بنحو 4 بالمئة سنوياً. وبذلك فإن المملكة باتت مرشحة بشكل كبير إلى خفض استهلاك الطاقة محلياً بنحو 1.5 مليون برميل يومياً، وهي خطوة من المتوقع إتمامها في ظل التحركات الإيجابية التي بدأ ينتهجها المركز السعودي لكفاءة الطاقة. لا شك ان عدم كفاءة استهلاك الوقود يكلف الدولة مئات الملايين من الدولارات سنوياً، ويزيد من الهدر في قطاع الطاقة، والأكيد ان ما تقوم به المملكة من جهود جبارة لترشيد استهلاك المملكة لثرواتها الناضبة من النفط والغاز تساعد على تقليل تسارع نمو استهلاك المملكة للطاقة، والتي تعد من اكبر التحديات التى تواجه التنمية بالمملكة. وفي الختام يبدو ان الدول الخليجية قد حسمت امرها وبدأت بأخذ خطوات مهمة واستراتيجية لرفع الدعم عن الوقود وتحرير سعره ليتوافق مع الأسعار العالمية، مما يدعم الاقتصاد الوطني ويحد من التلوث البيئي.